علقة سينمائية تعرضت لها فى صالة العرض رقم (3) بسينما أمير فى الاسكندرية حفلة 9.30 م على يد (خالد يوسف) مخرج فيلم خيانة مشروعة , ففى ليلة من ليالى الأسبوع الماضى اصطحبت Alexandra لمشاهدة آخر أعماله (خيانة مشروعة) و .. كانت ليلة لها العجب , دائماً الليالى الـ "حنجورية" تصيبى بالغثيان , رغم أن السينما هى فن بصرى فى المقام الاول , إلا أن البعض يستخدمها لكتابة مقالات لا اعتراض لى على توجهاتها , انما يقع كل اعتراضى على مكانها , (خالد يوسف) كمثال دائماً أراه فى الصحف و المجلات و القنوات الفضائية يتكلم فى السياسة و مشاكل المجتمع و تناقاضاته و غيرها من المسائل الرائجة بين زمرة المثقفين المعارضين فى مصر , منذ رأيته أول مرة مع (يوسف شاهين) حين قدمه لنا كتلميذه النجيب , ثم توالت المعلومات عنه بعد ذلك بأنه كان رئيساً لاتحاد طلبة طنطا و أنه مخرج بنكهة سياسية ما , و أنه يشارك فى المظاهرات و يحمل الكثير من الأراء السياسية الخاصة المعارضة ... حتى هذه النقطة و له كامل الحرية فى اختيار كلماته و توجهاته و الاماكن التى يظهر بها و الناس الذين يلتصق بهم كظلهم , غير أن (خالد يوسف) قرر أن يكون مخرجاً سينمائياً و كاتباً لقصص أفلامه و سيناريوهاته , و تلك - بالتجربة - كانت نقطة الخلاف.
(خالد يوسف) - من وجهة نظرى - لا يملك أى مواهب بصرية لافتة و موضوعاته لا تحمل أى خصوصية ما يحاول دائماً أن يلصقها بنفسه و يلصقها به أيضاً "زلنطحية" النضال و الثقافة فى مصر طوال الوقت , هذه أيضاً ليست بمشكلة من وجهة نظرى و ليس من شأنى تحليل وجهات نظر المخرج و لا الكاتب , فسأراها فى النهاية من خلال الصورة التى اختارها كل منهما ليعبر عن نفسه , حينها أكون وجهة نظر مجردة عن كل الخلفيات الخاصة بكل صاحب صنعة , لكن (خالد يوسف) فى فيلمه الاخير تجاوز المدى بعد أربع أفلام شاهدتها له و لم تعلق فى ذاكرتى.
القصة فـى (خيانة شرعية) بوليسية كما هو المفترض ... تحقيق حول جريمة قتل (هانى سلامة) لزوجته (ساندى) و أخاه (عمرو سعد) و هما عاريان فى فراشه كجريمة شرف , الاخوان هما ابنان لرجل أعمال كبير (مش عارف ايه كده البحيرى) أوصى وصية غريبة و هو على فراش المرض بخصوص توزيع تركته على ابنيه ... لن أحرق قصة الفيلم "رغم أنها و النعمة اللى فى ايدى دى ماهى فارقة خالص أحكى من ماحكيش".
ما لفت نظرى فى الفيلم عدة أشياء أثارت لعناتى ثم ضحكاتى - مع الجمهور الذى حضر الفيلم معى - حين تحول الفيلم قرب نهايته الى ملهاة:
1- ظهور غريب لــ (ابراهيم عيسى) بصفته و شخصه و اسمه و وظيفته و مكتبه و طريقة كلامه فى الفيلم كرئيس تحرير لجريدة الدستور التى تعمل بها الصحفية المشاكسة (مى عز الدين) , هى صحفية تعمل على قضية من قضايا الفساد تتعلق بعائلة (البحيرى) , و تعترض فى إباء و شمم على عرض الابن الاكبر فى العائلة و القائم بأعمالها (عمرو سعد) طلبه للزواج منها اعتباراً منها ذلك رشوة , غير أنها و ياللغرابة تتزوج منه فعلاً بعد أن يمسك بذراعها بحنان و شدة فى نفس الوقت ليخبرها انها فهمته خطأ , و تناست تماماً تحقيقاتها عن قضية الفساد بدون أى مبرر مرئى , هنا يأتى دور (ابراهيم عيسى) لشرح و تحليل - بصفته و شخصه و موضوعه و مكتبه و صور جيفارا خلفه - تطور قضايا الفساد فى مصر و تحول الرأسمالية الطفيلية لطبقة حاكمة فى مصر متخذاً تاريخ (البحيرى) الكبير كنموذج , و يصطحب (مى عز الدين) و (هانى سلامة) لحفلة غنائية على عود (أحمد سعيد) الذى يغنى أغانى وطنية ثورية يحفها جو حميمى مناضل معارض ثورى - هو الآخر - فى وكالة الغورى فى مشهد هو الأكثر اسفافاً و مباشرة و سذاجة من نوعه.
2- ظهور (كمال أبو عيطة) المعارض الناصرى الشهير فى الفيلم - بصفته و شخصه و توجهاته و نشاطه السياسى - كمرشح لمجلس الشعب أمام (البحيرى) الكبير , الذى لا يتورع بحكم كونه من رجال الحزب الوطنى عن تسليط ضغوط أمنية عليه و إثارة الشغب فى المؤتمر الانتخابى لـه للفوز بمقعد فى المجلس , كل ذلك على خلفية من حكى (صلاح عيسى) بصفته و شخصه و لقبه و شاربه الكث و الـ Logo الخاص بجريدته (الدستور).
3- ظهور (خالد يوسف) - بهيئته فقط - كوكيل حسابات أو محامى - لا فرق - فى شركات (البحيرى) و تردده الواضح بين شرفه كمواطن و بين عمله داخل شركات يعمها الفساد ... فى لقطة له داخل مكتبه نجده يعلق صليب و صورة للعذراء خلفه ليقول لنا - اسم الله عليه - أن الوحدة الوطنية لا تمارس بالجعجعة و بالصوت العالى و أنه سيظهر شخصيات مسيحية فى الفيلم بدون الاشارة الواضحة لذلك , و قد فعل و يا ليته لم يفعل , فتلك كانت جعجعة بصرية لا داعى لها من وجهة نظرى الخاصة.
4- هناك شخصيتان تابعهما الجمهور بشكل غريب ربما بعد ادراكهم أن أحداث الفيلم تحولت الى مسلسل سئ و بعد أن تحول أداء الأبطال الرئيسيين الى ملهاة تمثيلية بكل الأشكال , الشخصية الاولى هى (سعاد) , ففى نهاية الفيلم ستحاول (سمية الخشاب) - عشيقة (هانى سلامة) - قتل (مى عز الدين) لملاحظتها ميله الشديد تجاه (مى) - لا تنسى أنها اصطحبته الى ذلك الحفل الغنائى النضالى مع رئيس تحريرها (ابراهيم عيسى) فى وكالة الغورى و هو اليوم الذى غير كثيراً من طباع (هانى) و جعله يشعر أن الحياة ليست بهذا السوء !!! - المهم أن (سمية) تقتحم فيللا (مى) و تطاردها فى الدور العلوى فتستنجد (مى) بخادمتها (سعاد) , فى لقطات مظلمة و مطاردة هزيلة تظهر الخادمة (سعاد) فجأة لتسرق الكاميرا من الكل , ففور أن تضربها (سمية) و تلقيها من الدور العلوى لتسقط فى بهو الفيللا "زرع بصل" حتى يهتف شابان بسيطان من الجمهور بتلقائية شديدة و بهلع مصطنع ظريف للغاية (سعااااااااااااااااااااد) تزامناً مع سقوطها من أعلى , ليغرق الجمهور - و منهم أنا و Alexandra حتى كدنا نفطس - فى نوبة من الضحك.
5- الشخصية الثانية التى تابعها الجمهور و تعاطف معها هى شخصية المخبر الذى أرسله ضابط المباحث (هشام سليم) لمراقبة (هانى سلامة) كظله و ركز معى فى كلمة "كظله" فقد صبغت أداءه الاهطل فى المراقبة طوال الفيلم , لا يفصله دائماً عن (هانى) سوى خطوات , فضلاً أنه فى نهاية الفيلم كان يمشى وراءه فى شارع خالى واسع ليلاً و لا يفصلهما سوى مسافة تساوى تلك المسافة بينى و بين باب غرفتى الآن , و يظل وراءه فى نفس اللقطة - بدون قطع - فترة زمنية معقولة حتى ينعطف (هانى) نحو سيارته ليركبها فيبدأ المخبر مطاردته قائلاً : اقف عندك .... و بطبيعة الحال يسرع (هانى) ليختبئ خلف سيارته بعيداً عن المخبر , لا أدرى ما المبرر لصبر المخبر كل هذا الوقت , هل يشك أن (هانى سلامة) سيركب سيارته فعلاً لذا قرر أنه اذا ركبها سيوقفه عند حده ؟ ... المميز أن الجمهور كان بمجرد ظهور المخبر بطريقة المراقبة تلك يضحك عالياً و يخبره (وحشتنا) ... فقد ظهر المخبر فى الربع الاخير من الفيلم فى مشاهد بطولية طويله حاملاَ جهازه اللاسلكى.
6- لماذا يخرج (خالد يوسف) الأفلام؟؟
خرجنا من السينما "نتطوح" من البلاهة , شاهدنا أفيش فيلم (دنيا) معلقاً خارج سينما مترو فدخلنا علنا نأخذ التعويض اللازم لما حدث فى أمير , دخلنا شاهدنا "جعجعة" اجتماعية طويلة و افتعال لا حد له و حوار ركيك راعيت تهذيب الالفاظ لوصفه , غير أن الصورة البصرية الرائعة و الألوان الجميلة فى الفيلم فضلاً عن المشهد الختامى فى الفيلم عوضنا كثيراً عن كم "الجعجعة" الملازم فى الفيلمين , كنت أتمنى فى فيلم (دنيا) أن أسد أذناى بسدادات قطنية و أشاهد الفيلم بلا شريط صوت لتكتمل متعتى بدون معوقات ... لا أعرف هل الـ "الجعجعة" فى السينما داء عربى أم داء لمثقفين من نوع ما؟