Sunday, August 12, 2007

الشبح

بغض النظر عن كون شركات الإنتاج المصرية تصرف للمُشاهد أغنية و عصابة و رجل أعمال و عدة مشاهد مطاردة و ضرب و قتال بالمسدسات و سيارات تتهشم على الطرق و الأرصفة فى كل فيلم أياً كان فإن فيلم "الشبح" كان موفقاً إلى حد ما فى كل هذه العطايا و الهبات التى تهبها لنا شركات الإنتاج فى مصر , أقول إلى حد ما لأن هناك عدة كيلوجرامات من الكوميديا تُصرف لنا أيضاً بحكم كوننا المصريون (دمنا خفيف مهما كان) , فلم لا نبيعه بعض الكوميديا !!

بداية الفيلم و حتى 45 دقيقة بعد نزول التترات كانت مبشرة للغاية , مبشرة بالنسبة لنوعية أفلام التشويق و الإثارة التى غزت سوق السينما المصرية , أقصد بالطبع أفلام التشويق التى يستلهمها كتاب السيناريو - و من بعدهم المخرجون - حرفياً من السينما الأمريكية بالرغم من كونى طيلة 25 سنة لم أرى عصابات تتقاتل بالمسدسات و لا تطارد بالسيارات فى شوارع مصر بهذه الإعتيادية الغريبة , لكنهم بالتأكيد سيخبرونى و يخبروك (عزيزيى المشاهد , إنه الخيال ....).

كاتب السيناريو - و المشارك فى إنتاج الفيلم - "وائل عبد الله" سبق له القيام بتجربة هذا النوع من الأفلام مع المخرجة "ساندرا نشأت" و بالتحديد فيلم "الرهينة" فى العام الماضى , كما أنه صاحب قصة فيلم "تمن دستة أشرار" التى كتبها كسيناريو "خالد جلال" و أخرجها كفيلم "رامى عادل إمام" .. إذن نحن نعرف إلى حد ما نوعية الأفلام التى تأثر بها و أحبها "وائل عبد الله" و قرر إدخالها بتوسع إلى سوق السينما التجارية فى مصر : أفلام التشويق و الإثارة , الأفلام الملغزة , المعتمدة على حبكة الأحداث و إخفاء الأسرار بمنطق مختلف عن منطق المخرج المصرى الجميل الراحل "كمال الشيخ" .. لن أدعى أنى من كارهى هذه النوعية كما أنى فى نفس الوقت لست من نوعية الجمهور الذى يمتلك القدرة على توقع الأحداث و استنتاج النهايات , و عند هذه النقطة "وائل عبد الله" - ككاتب للسيناريو - نجح إلى حد بعيد فى شد إنتباهى دون ملل و دون استسهتار بعقلية الجمهور معى حتى قبيل النهاية بفترة معقولة , اجتهد فى صياغة حبكة الفيلم و لعب فى زمن الفيلم و فى أماكن الأحداث بشكل أفضل إلى حد بعيد من تجاربه و تجارب غيره السابقة , فنحن أمام بطل يستيقظ من نومه فى أول مشهد ليجد جثة شخص مقتول على السرير المجاور له فى مكان ما لا هو و لا نحن نعرفه , السيناريو يخبرك دون ملل و بدون تأخير أن "أحمد عز" فاقد الذاكرة لا يعرف حتى اسمه و علينا تتبع الطريق الذى سيسلكه للكشف عن هويته و عن سر الجثة الغامضة التى وجدها إلى جواره , تتابع الأحداث و طريقة الكشف عن مفاتيح اللغز سارت بشكل منطقى و مميز , توقيت ظهور الشخصيات التى سيتعثر بها "أحمد عز" فى الفيلم كان توقيتاً منطقياً ساعد على حيوية السيناريو , حتى تورط المشاهدون تماماً فى الموضوع باتضاح خيوط اللعبة إلى الحد المناسب الذى يظل معه "وائل عبد الله" مخفياً شئ ما يجعلك بإستمرار جالساً على مقعدك بلا تأفف.

يوجد قرب نهاية الفيلم هذا المشهد المشهور الذى يتبرع فيه أحد الأبطال فيشرح اللغز أو السر إلى أحد الأبطال الآخرين ليعرف المشاهدون الجالسون فى القاعة المظلمة فى جوع لمعرفة سبب جلوسهم هنا , هذا المشهد مصنوع بوعى فى فيلم "الشبح" ففضلاً عن كون "صلاح عبد الله" ممثل متمكن يجيد هذه المواقف فإن وجود هذا المشهد فى السيناريو مبرر جداً بحكم أن "صلاح عبد الله/عبد الصمد" يشرح اللغز إلى "أحمد عز" الجائع مثلنا تماماً لمعرفة الحقيقة - لا تنسى أنه فاقد الذاكرة و استيقظ معنا على أحداث ساخنة متشابكة لم يحضر مقدماتها مثلنا تماماً على خلاف باقى أبطال الفيلم - بعد أن توحد معه الجمهور فى أول دقائق الفيلم.

أعتقد أن "أحمد عز" من الذكاء الكافى - أو من فرط (دعاء الوالدين) - بحيث يختار تلك النوعية من الأدوار التى يؤديها , تلك الأدوار التى لا تعتمد بشكل كبير على التعبير أو الإحساس أو حتى التشخيص , فى أفلام "أحمد عز" تكون القصة و عين المخرج هى البطل الرئيسى أما هو فمجرد ممثل يؤدى دوره لتحريك الأحداث , ذكاء يفتقد إليه باقى نجوم الصف الأول بإصرارهم على لعب كل شئ فى كل أفلامهم بغض النظر عن طبيعة السيناريو و عن طبيعة إمكانياتهم , لذا يظهر "أحمد عز" فى المقاس المناسب له و فى الملابس اللائقة له تماماً ليتطور فى هذه المنطقة من فيلم إلى آخر , فبالتأكيد هو الآن أنضج كثيراً من بدايته و قادر على العطاء أكثر بملامح وجه متناسقة تمكنه من أداء أدوار متلونة و مقنعة داخل الفيلم , أحياناً عندما يكون الممثل (صفحة بيضاء) يكون ذلك فى صالحه و صالح العمل لأنه لن يجيب إجابات ساذجة أو خاطئة.

يقول المخرج "عمرو عرفة" أن ألوان الفيلم معالجة بشكل جديد لم يستخدم من قبل, و هو شئ حقيقى و ملحوظ, غير أنه مفرط جداً, لون اللقطات معتنى به , كما أن الإضاءة و الفلترات التى استخدمها مدير التصوير "محسن أحمد" نجحت فى إعطاء بعد لونى لمكان و زمان الأحداث, لكنها كانت تثير ارتباكى أثناء المتابعة, خاصة مع تعدد أماكن التصوير فى أحداث السيناريو, فضلاً عن التنفيذ الغير لائق لنقلات الزمن بين المشاهد التى تدور فيها الأحداث, كان "عمرو عرفة" معنياً بإخراج كل خط من خطوط السيناريو بشكل بصرى مختلف عن الخطوط الأخرى لكنها كانت مختلفة بإفراط, كما أن (تصحيح الألوان) فى الفيلم كانت تشوبه مشكلة رغم الفكرة الطموحة التى ربما تؤتى ثمارها فى فيلم قادم لـ "عمرو عرفة", فى تقديرى المونتاج أيضاً ساعد فى محاولة الخروج بصورة مختلفة للفيلم, لأن المونتير "أحمد حافظ" صنع إيقاعاً حيوياً و نفذ المطلوب تماماً فى تلك النوعية من الأفلام خاصة فى مشهد المطاردة الذى يدور فى منطقة "جدران" بالإسكندرية بين "أحمد عز" و عصابة "باسم سمرة", ذلك المشهد ساهمت أغنية الفيلم فى تقديمه بشكل مختلف تماماً عن أمثاله فى أفلام أخرى , و بشكل جديد فى أفلام الألفية الثالثة فى مصر, أتى ذلك فى رأيى نتيجةً لعدم إعتماده على الكليشيهات التى نحفظها عن ظهر قلب و التى يظل فيها المُشاهد مطالباً بدموعه و نحيبه و تأثره لما يصنعه البطل و المخرج فى الفيلم, هذا المشهد بألوانه و بتصميم منطقة "جدران" و الفنار المجاور لها فى المكس , مع استخدام "محسن أحمد" لإضاءة ناعمة و صريحة فى أغلب لقطاته, كلها أشياء ساعدت فى تحريك الأحداث و حل مفتاح فى الحبكة, فى نفس الوقت الذى قدمت فيه صورة جميلة و إيقاع مناسب تماماً لهذا المشهد فى السيناريو.

الفكاهة التى كان يمثلها "محمود عبد المغنى" فى أدائه لدور "سليمان" فى الفيلم غيرت من ملامح الفيلم إلى حد كبير و أبطأت من إيقاعه فى أكثر من مكان, فى الأغلب فإن الفكاهة مصروفة للمشاهد فى الأفلام حتى لا يشترى من أى قاعة أخرى تعرض فيلماً آخر, فكل شئ موجود على طريقة (هاتلفْ تلفْ و تجيلى فى الآخر), أما شخصية "أحلام/زينة" فبالتأكيد لم يكن الفيلم بحاجة لها, لا أعنى أداءها أو أن تمثيلها جاء سيئاً, بالعكس فـ "زينة" قد أدّت المطلوب تماماً, لكن دورها المكتوب فى السيناريو لا فائدة منه على الإطلاق, و لم يجتهد "وائل عبد الله" فى خلق أى دور جدى مؤثر لها فى الأحداث, على العكس من شخصية "منة فضالى" على صغر مساحته, لكنه كان ضرورياً , "صلاح عبد الله/عبد الصمد" يجيد الرقص على الحبال بمهارة, أعنى حبال التمثيل فهو يجيد الإنتقال بين مناطق الأداء المختلفة, الخوف أن يصبح مكرراً و أن يختار أدواراً نمطية كـ "خالد صالح" على سبيل المثال.

يبقى أن هذا الفيلم رغم طموحه لن يبقى فى الذاكرة كعادة تلك النوعية من الأفلام بتلك النوعية من المشاكل.

Friday, August 03, 2007

تيمور و شفيقة

بدون إفتاء و دخول فى النوايا خرجت من القاعة رقم 4 فى سينما أمير بالإسكندرية - حفلة الحادية عشرة مساءاً !!!! - متأكداً أن الهدف من إنتاج فيلم "تيمور و شفيقة" هو عرض فيلم صيفى بسيط لا ينغص , سهل البلع , يهضم الرطوبة و الحر داخل قاعة مكيفة أثناء صيف ممل , كنت مخيراً بين دخول فيلم "الشبح" و بين دخول فيلم "تيمور و شفيقة" , و استقر الإختيار فى النهاية على الأخير لأقضى ساعة و نصف تقريباً وسط زحام و أطفال رضع بكائين و مصييفين , فضلاً عن مراهقين يتابعون مدى خطورة المشاهد الرومانسية - التى يعتبرونها ساخنة - بين "أحمد السقا" و "منى زكى" على زواج الأخيرة من "أحمد حلمى" كما فعلوا تماماً عندما شاهدوا المشاهد الرومانسية بين "كريم عبد العزيز" و "منى زكى" فى فيلم "أبو على" ... هكذا أصبحت مشاهدة الأفلام فى قاعات السينما فى مصر تسلية بحتة , تسلية غير منغصة على الإطلاق , أقول هذا فى البداية لأدلل على أنى لم أتأذى من مشاهدة الفيلم و لم أسخط عند خروجى من القاعة فلا شئ مهم على الإطلاق حدث فى القاعة رقم 4 فى سينما أمير , فقط شاهدت فيلماً لن يعلق فى ذاكرتى و أنا عائد إلى المنزل و ربما أنسى بعد عدة أشهر أنى دخلته من الأساس و حين يعاد فى قناة "ART Cinema" سأحرص على مشاهدته فى ميعاد تناولى وجبة الغداء حتى أنتهى منه بسرعة بدون عسر هضم.

فـ "تامر حبيب" - كاتب السيناريو - كعادته يلتقط الفكرة من الهواء الطلق و ينسج فيها - لا حولها حتى - فيلماً بلا هدف و أحداث ليست مملة فقط بل و مكررة داخل أحداث الفيلم نفسه , يبدأ الفيلم باستعراض علاقة "تيمور\أحمد السقا" بجارته "شفيقة\منى زكى" و حبهما الأصيل منذ الطفولة و هدية عيد الفطر التى يواظب "تيمور" على شرائها لـ "شفيقة" منذ الصغر , عقدة الفيلم أن "تيمور" ذكورى غيور و "شفيقة" مزة طموحة , أعتقد بدون الدخول فى النوايا كما قلت أن هذا فقط ما جاء فى بال "تامر حبيب" فجلس لمدة ساعة أو أكثر أمام الأوراق البيضاء على سطح مكتبه ليكتب السيناريو و الحوار بإفيهاته , فيكرر مشاحنات "تيمور" مع شفيقة" : مرة حين يقلها من أمام كليتها ليجدها تقف مع أحد زملائها , و مرة فى حفل عيد ميلاد صديقة لها فيطلب نفس الزميل ان تشاركه الرقص , و مرة عندما تعصى أوامره بالبقاء فى منزلها أثناء خروجه لحراسه وزير الداخلية فى أجازته الصيفية لكنها تذهب مع صديقاتها إلى نفس الشاطئ الذى يمارس فيه "تيمور" عمله , و أيضاً بالطبع فى كل مرة ترتدى فيها "شفيقة" ملابس كاشفة تفضح ما وصلت إليه من مزمزة , ثم فى النهاية مشاهد الحركة التى ينقذ فيها "تيمور" حبيبته "شفيقة" من عصابة إرهابية - غير التى كانت تريد اختطاف ابن وزير الداخلية - لأن "أحمد السقا" هو من سيؤدى دور "تيمور" فيصبح تدخينه و ارتدائه الفانلة الحمالات مبرراً لتبرز عضلات ذراعيه و يلهم الفتيات اللاتى لم تلهمهن سهوكة "تامر حسنى" و لا وسامة "أحمد عز" و لا سذاجة "أحمد حلمى"و لا شهامة "كريم عبد العزيز".

هكذا يسير "أحمد السقا" فارداً جناحيه كالعادة حاملاً ابن وزير الداخلية الذى يعمل فى طاقم حراسته منقذاً إياه من براثن عصابة إرهابية فى بداية الفيلم و فى لقطات Slow Motion مؤثرة للغاية , مؤثرة للغاية , مؤثرة للغاية ... لأن التكرار مفيد فى الحديث عن فيلم "تيمور و شفيقة".

نعود إلى "تامر حبيب" و نتابع معاً ذكريات السينما بدءاً من فيلم أثار إعجاب معظم من شاهدوه و هو "سهر الليالى" , و فيلم "عن العشق و الهوى" .. فى كلا الفيلمين يثرثر "تامر حبيب" بلا هدف سوى نسج علاقات متشابكة يمكن أن تحل فى أى وقت لكنه يطيل من زمنها كي يستمر الفيلم فى طريقه نحو تصنيف "فيلم روائى طويل" معتمداً بين الحين و الآخر على اختراع مشكلة وهمية كلما آلمه ضميره و هو يشاهد السيناريو سائراً تحت مداد قلمه بلا هدف , ليس الحديث هنا عن "سهر الليالى" و لا "عن العشق و الهوى" لكنه عن "تيمور و شفيقة" الذين ينفصلان عاطفياً بعد نصف ساعة من بداية الفيلم و يتعاملا - بمبادرة من الذكورى "تيمور" - كالأشقاء و هو ما كان من الممكن حدوثه فى أى وقت فى الفيلم كما كان لا يمكن حدوثه أيضاً , لا نرى مبرارت درامية مقنعة مصنوعة بإحكام لمسار الأبطال فى السيناريو.

عذراً فما دام الفيلم يتحدث عن المرأة حين ترأُس حبيبها و تتقدم فى عملها بطموح بشكل لا يرضاه حبيبها لابد أن أتذكر الفيلم الجميل "مراتى مدير عام" للمبدع "فطين عبد الوهاب" و هو ما سيجحف من حق "تيمور و شفيقة" بالتأكيد , كما أنه سيرينا أن السينمائيين و المجتمع بأسره لا يسير إلى الأمام و ربما يتراجع أيضاً , فـ "شفيقة" فى نهاية الفيلم و قبل اختطافها من قبل العصابة الإرهابية تصارح "تيمور" بكرهها لتسلطه و أنانيته حين يخيرها بين شيئين منطقيين من وجهة نظره : إما منصبها كوزيرة للبيئة و إما علاقتهما لأنه لن يسمح لنفسه بأن يسير فى ركابها , لكن "تامر حبيب" يستأجر عصابة لتخطف "شفيقة" فيصورها المخرج "خالد مرعى" و أفرادها تتلقى الصفعات و الركلات على يد "تيمور" الذى يحتم عليه واجبه - كحارس خاص لـ "شفيقة" قبل أى شئ - أن ينقذها لينتهى الفيلم بـ "شفيقة" و قد رضخت لـ "تيمور" فتستقيل من منصبها كوزيرة بعد ساعة و نصف من الثرثرة المتواصلة حول نفس الشئ : "تيمور بيحب شفيقة و شفيقة بتحب تيمور لكن تيمور ذكورى غيور و شفيقة مزة طموحة" و الحل الطبيعى أن تحافظ "شفيقة" على "تيمور" فى نهاية الفيلم لا فى بدايته لأنها لو فعلت ما فعلته فى أى وقت آخر لما كان هناك فيلم "تيمور و شفيقة".

هل تستحق ثغرات الفيلم الحديث عنها ؟ كالبحث عن تفسير لعدم زواج "تيمور" و "شفيقة" رغم الصداقة الحميمة التى تجمع أسرتيهما لدرجة - مثلاً - أن والدة "تيمور" - "رجاء الجداوى" - هى التى تتآمر ضده و ضد والدة "شفيقة" - "هالة فاخر" - بإثارة غيرته لأنه يصر على إلتزام طابع الأخوية فى تعامله مع "شفيقة" , ربما لو صُنع هذا الفيلم قبل 50 عاماً لفرحت بمشاهدته أكثر و لدام فى ذاكرتى أكثر.

بخصوص الفنيات فى الفيلم فهو أول تجربة إخراج للمونتير "خالد مرعى" , و أعتقد أن كل أفلامه القادمة ستكون أيضاً هى تجاربه الأولى , فلا شئ جديد و لا إيقاع مميز و لا صورة و لا مشاهد فريدة تضطره إلى ترك مقعد المونتير ليجلس على مقعد المخرجين مُخرجاً ثانى أسوأ مشاهد حركة بعد "خالد يوسف" فى "خيانة شرعية".