Wednesday, December 12, 2007

Woody Allen

WOODY ALLEN: That's science. I don't believe in science. Science is an intellectual dead end.

DIANE KEATON: I see. You don't believe in science. And you also don't believe that political systems work and you don't believe in God, huh?

WOODY ALLEN: Right.

DIANE KEATON: So, then... what do you believe in?

WOODY ALLEN: Sex and death two things that come once in a lifetime ... But ... at least after death you're not nauseous.

"Sleeper" - 1973

- لا تملك مع Woody Allen غير أن تتابع عينين فزعتين خلف نظارة لا يخلعها أبداً , مع أداء متوتر دوماً فى مواجهة تفصيلات حياتية و نزوات يوقن تماماً أنه لا حل لها ولا فكاك منها .. و جسد نحيل لا يمنعه من التورط المستمر فى علاقات غرامية سواء فى حياته الشخصية أو فى أفلامه , دائماً ما يفشل فى الإحتفاظ بها و دائماً ما يمنعه توتره و قلقه البالغان من ممارسة الجنس فيها بشكل مرضى له و لشريكته ... إنه فى النهاية Woody Allen الذى يحب السينما و يحب نيويورك التى ولد بها , وصنع عنها فصلاً كاملاً مع Francis Ford Coppola و Martin Scorsese فيلماً أسموه New York Stories عام 1989.

WOODY ALLEN: That's quite a lovely Jackson Pollock, isn't it?

GIRL IN MUSEUM: Yes it is.

WOODY ALLEN: What does it say to you?

GIRL IN MUSEUM: It restates the negativeness of the universe, the hideous lonely emptiness of existence, nothingness, the predicament of man forced to live in a barren, godless eternity, like a tiny flame flickering in an immense void, with nothing but waste, horror, and degradation, forming a useless bleak straightjacket in a black absurd cosmos.

WOODY ALLEN: What are you doing Saturday night?

GIRL IN MUSEUM: Committing suicide.

WOODY ALLEN: What about Friday night?

"Play It Again, Sam" - 1972

لا تملك مع أفلام Woody Allen غير أن تبتسم .... تبتسم و أنت تتابع ثرثرته المتصلة حول كل شئ فى أفلام لا تتعدى مدتها الساعة و نصف الساعة ... يكتبها و يخرجها و يقوم بدور البطولة فيها أيضا أغلب الأحيان , كل كلمة كتبها طيلة 55 سنة - قدم خلالها 40 فيلماً حتى الآن - كانت على آلة كاتبة بنية اللون ألمانية الصنع يحتفظ بها منذ كان عمره 16 عاماً.

WOODY ALLEN: It's funny. l was once in a cab ... this was years ago.And l was pouring my heart out to the driver about all the stuff you were prattling on about life, death, the empty universe, The meaning of existence , human suffering .... And the cab driver said to me:You know .... it's like anything else.

"Anything Else" - 2003

فى الأول من ديسمبر الجارى ختم Woody Allen عامه الثانى و السبعين بعد أن كتب هذا العام فيلمه الواحد و الأربعون على آلته الكاتبة ذاتها.

Saturday, November 10, 2007

سـارق الفرح

دائماً يخطر ببالى هذا الفيلم, متذكرًا مشهد (حسن حسنى) وهو ينقر طبلته بعصاه الرفيعة لترقص (حنان ترك) على إيقاعها. جو المشهد بلقطاته وبتصاعد إيقاع الطبلة مع ارتجافات (حنان ترك) تصيبنى بنشوة مميزة تمزج بين الحسى والروحى, نشوة تسيطر علىّ تمامًا... قررت فى النهاية الإستعانة بنضارة سينما (داوود عبد السيد) والحديث عن "سارق الفرح" هربًا من الركود.

الفيلم من تأليف وإخراج (داوود عبد السيد), وأنتجه (سلطان الكاشف) - زوج (لوسي) - عام 1994. (لوسي) تحديدًا تعد من العلامات المهمة فى سينما (داوود), أيضًا أفلامها مع (داوود) تعد من العلامات الفارقة فى تاريخها. لا أنسى دورها فى فيلم "البحث عن سيد مرزوق". هى تستطيع ارتداء دور الأنثى المرسومة بعناية فى سيناريوهات (داوود), و لعل دورها فى "سارق الفرح" أبلغ دليل على ذلك.

سيناريو الفيلم الذى كالعادة كتبه (داوود عبد السيد) بنفسه مأخوذ عن قصة قصيرة للروائى (خيرى شلبى), يدور بشكل أساسى حول التلاعب بالحلم, التلاعب بالرغبة, فعن التلاعب فى سينما (داوود عبد السيد) - سينما (المهمشين) كما يحب النقاد أن يطلقوا على سينما جيل الثمانينات - الأبطال لا يصارعون سلطة حكومية كالعادة, ولا قوانين , ولا يخوضون صراع لقمة العيش بالمعنى الشائع أيضًا, هم عادةً ما يصارعون أحلامهم ورغباتهم وذواتهم بشكل أساسى فى بيئة مغلقة عليهم وأحيانًا مغلقة فيهم. فى الفيلم تدور القصة الرئيسية حول "عوض/ماجد المصرى" الذى يحب "أحلام/لوسى" ويريد الزواج منها رغم ضيق حالته المادية فهو لا يستقر فى حرفة ويلتقط رزقه من الشارع كلما تطلب الأمر, المكان هو عشش عشوائية فوق هضبة المقطم يتقاسم الجميع فيها الهواء والماء والسجائر وأحيانًا الرغبات. نفهم فى البداية أن "شطة/محمد شرف" عاد من الخليج بجهاز كاسيت وتليفزيون وكل ما يتطلب الزواج من أنثى يفرغ فيها شهوته, وقد تجسدت أحلامه فى (أحلام). يسير مع والدته فى زفة يحيط بها الأولاد والبنات الصغار والسيدات فى المكان. المسيرة تسير على أغنية "فى بنت هاتتجوز" التى كتب كلماتها (داوود عبد السيد) ولحنها (راجح داوود), ليبدأ أول تعرف بين المُشاهد والفيلم الذى يأتى بأفكار إخراجية شاردة عن المعتاد. تدعم - فى نفس الوقت - جو الفيلم بشكل رئيسى , كلمات الأغنية بسيطة كاللحن, تحكى لنا فيها "تحية شمس الدين" بصوتها طقوس احتفالية الزواج فى تلخيص عام لهذه المؤسسة الإجتماعية التى يخوضها البشر: مؤسسة "الزواج". يوافق "المعلم بيومى/لطفى لبيب" الذى يعمل ماسحًا و مشرفًا فى أحد المواقف العمومية للسيارات على زواج "شطة" من ابنته فيجن جنون "عوض" محاولاً إنقاذ حلمه بالزواج من "أحلام" التى تحبه هى أيضًا. يلح على "المعلم بيومى" مصطحباً صديقه "عنتر/محمد هنيدى" و "عم ركبة/حسن حسنى" و أمه محاولاً عقد إتفاق للزواج من (أحلام). من هنا تبدأ رحلة الفيلم. على (عوض) من الآن وفى خلال 10 أيام أن يأتى بـ (غويشتين دهب عيار 18 مش 14) كما اشترط عليه (المعلم بيومى) ليتزوج (أحلام).

علاقة (أحلام) بـ (عوض) علاقة قديمة منذ كانا طفلين فى العشش. تحيط بعلاقتهما رغبة حسية غامضة وحب معقد من نوعٍ خاص, يتحايلان على الشهوة بالحبال والتلاعب!! التلاعب الذى تجيده (أحلام) بفطرتها الأنثوية. (أحلام) تحب (عوض) جدًا, لكنها تربطه بالحبال فى أحد الأبواب المتهالكة لعشة مهجورة فوق هضبة المقطم متواطئةً مع ما يريد من قبلات وأحضان, ثم تضربه بخيزرانة وهو مربوط فى الباب عقاباً له على صداقته بـ "نوال/عبلة كامل" التى تعرف عليها أثناء رحلته لجمع المبلغ المطلوب للزواج, تضربه حتى ينزف, حين يفك الناس وثاقه يسير بين العشش مضرجًا فى دمائه يغنى أغنية "هاتجوزها" التى كتبها أيضاً (داوود) والتى تدور حول فكرة واحدة أنه سيتزوج "أحلام" مهما حدث, فقط ليريها المر والذل والضرب, سينتقم منها بزواجه منها, فى إحدى اللقطات الفانتازية التى يغنى فيها (ماجد المصرى) أغنية "هاتجوزها" يسير ساحبًا وراءه مجموعة كلاب مكممة وحشية , ودافعًا أمامه "أحلام" من شعرها , مرتدياً غطاءاً أسوداً من القماش حول رأسه مربوط بحبل عند رقبته كزبانية الجحيم , و حين تتعثر محاولاته فى جمع المبلغ تتهدد أحلام (أحلام) فتغنى أغنية أخرى تعلن عدم تنازلها عن الزواج منه ماسكةً حبلاً غليظاً التقطته من أمام مستودع لمياه الشرب و تلفه حول رقبة (عوض) لتجره خلفها فى مشهد فانتازى آخر , كما تلفه حول نفسها و هى تغنى فوق فراشها حالمةً بالزواج منه متنهدةً باسمه. العلاقة بين "أحلام" و(عوض) من العلاقات المميزة التى لا أنساها بكل تعقيدها وبساطتها.

طوال رحلة (عوض) لجمع المال اللازم يأخد المشورة من أحد المقامات الموجودة تخص "سيدى أبو العلامات" كما ورد فى الفيلم. يبوح (عوض) بمشكلته لـ "أبو العلامات" طالبًا منه علامة تدله على التصرف الصحيح. استشاره 4 مرات طوال الفيلم انتهت 3 منها بعلامات تدله على الرأى الصواب: براز حمامة يسقط على رأسه من أعلى المقام, وقطعة فخار تنكسر فوق رأسه بعد إنتظار طويل زارته فيه (أحلام) مداعبةً أحلامه برقصها على أنغام أغنية أخرى كتبها (داوود) ولحنها (راجح) أيضًا, في المرة الثالثة ترعد السماء فيستدل بذلك أن "أبو العلامات" يوافقه على الخطة التى دبرها مع "نوال" بائعة الهوى, تلك الفتاة التى تعرف عليها فى إحدى مرات جلوسه على حافة الهضبة مع (عم ركبة) و(عنتر), فيقرر على إثر رعد السماء أن يسطو سطوًا مسلحًا على زبائن (نوال) الذين تستدرجهم إلى سفح الهضبة. وفى المرة الرابعة يرفض "أبو العلامات" أن يشير على "عوض" برأى ما فيمضى محبطًا.

من الشخصيات التى ينثرها (داوود عبد السيد) فى السيناريو - المكتوب بنكهة أدبية واضحة مستلهمًا روح أدب أمريكا اللاتنية - شخصية (عم ركبة) العجوز الحالم المعجون بشبق الشيخوخة, فهو يحب (رمانة) - أخت (أحلام) - حبًا جارفًا ,يشتهيها ولا يملّ شرب سبرتو ردئ مخلوط بمواد مخدرة كى ينسى عذابه فى حبها, شبقه وجنونه يجعلاه يشترى منظارًا مقربًا فى بداية الفيلم من أحد بائعى الروبابيكيا الذين يعرفهم فيشاهد بالصدفة النساء عاريات فى العشش التى تحيط به, يشاهدهم عن قرب يستحمون أو يجلسون على سجيتهم فى بيوتهم, يشاهدهم من خلال الأسطح و النوافذ الضيقة مستمتعًا بما يراه, تفضحه زوجته حين تلقى نظرة داخل المنظار, فلا تتردد عن فضح زوجها معلنةً أنه اشترى جهازاً "بيطلع النسوان عريانة", لتسير بعدها سيدات الحى ملفوفات فى حصر متربصات بكل من يحدق فيهن خائفات من آلة (عم ركبة) العجيبة. (داوود عبد السيد) لا يفوته فى هذا المشهد وجود سيدة لها رأى آخر فى موضوع "المنظار" تسير فى طرقات الحى العشوائى تتمايل وتتهادى مستعرضة تضاريس جسمها. شخصية (عم ركبة) من الشخصيات المميزة جيدًا, ينهى حياته قافزًا من فوق الهضبة بعد أن حقق حلمه وذاب فى جسد "رمانة" أخيرًا, ففيه استطاع أن يمتلك روحها بشكل شاعرى عميق جدًا بعد أن رقصت بتوجيه إيقاع دفه وعصاه الرفيعة فى أحد أعراس الحى. (رمانة) ذاتها أدركت أن (عم ركبة) قد امتلكها بهذا الرقص الشيطانى الذى تلبسها بإيعاز من ضرباته على الدف. مونتاج هذا المشهد و إيقاع الطبلة ورقص (حنان ترك) وديكور وإضاءة المكان ليلاً صنع غلالة سحرية بديعة وجعل (رمانة) تتبع (عم ركبة) إلى حيث يجلس على حافة الهضبة تاركةً يده تعتصر خصرها ثم تحضنه فى النهاية. يجرى (عم ركبة) إلى حافة الهضبة لا يطلب شيئًا بعد امتلاكه روح (رمانة) غير الطيران ليقع بعد أن لاعب أخيرًا حلمه ورغباته. عادة ما تنتهى روايات الأدب اللاتنيي بنهاية جنائزية للشخصية الحكيمة الخبيرة فى الرواية, وعادةً ما تكون تلك الشخصية طاعنة فى السن تشربت من ماء الحياة ما تشربت. انتهت حياة (عم ركبة) نفس النهاية حالمًا بالطيران من فوق هضبة المقطم.

"مطر/فتحى عبد الوهاب" - شقيق (عوض) - شخصية أخرى, يعمل طبالاً فى إحدى الملاهى الليلية, رأسماله الوحيد طيلة 3 أعوام قضاها طبالاً عبارة عن مجموعة ملابس وأحذية يختارها ويحافظ عليها باعتبارها واجهته فى العمل, مضحيًا فى سبيلها بأجره كاملاً. (مطر) يعود منزله فى الصباح الباكر لينام بعد ليلة منهكة, كان (عوض) قد سرق كل ملابس وأحذية أخيه ليبيعها متحصلاً على بعض نقود تساعده فى رحلته , يبلغ (مطر) الشرطة متهمًا (عوض) بالسرقة, باكيًا أشد البكاء فى حسرة على ضياع حصيلة عمله, لكنه يتنازل عن البلاغ الذى قدمه حين يدرك عبث الموقف وأن مكان إقامته الوحيد هو السرير المجاور لسرير (عوض) فى نفس العشة. يخرج من قسم الشرطة باكيًا بعد أن تلاعبت الحياة بمتعته الوحيدة, الحياة ربما تكون جميلة مغرية مفتوحة شهية غامضة لكنها لم تكن أبدًا عادلة.

رغم أنى لا أرى فى (ماجد المصرى) نموذجًا جيدًا للممثل الفنان الموهوب, إلا أن أداءه جاء مناسبًا تمامًا لأجواء (داوود عبد السيد) فى الفيلم, أداؤه التقليدى النمطى كان مناسبًا لشخصية (عوض), أيضًا بقية الممثلين كـ (حسن حسنى) و(حنان ترك) و(محمد متولى) و(عبلة كامل) و(فتحى عبد الوهاب) نجحوا تمامًا فى الرقص داخل السيرك الذى نصبه (داوود) بين العشش العشوائية فوق هضبة المقطم, سيرك ضخم للتلاعب بالأحلام.

فشخصية مثل "زينهم/محمد متولى" تتلاعب برغبات و أحلام "أحلام" , يروادها عن نفسها بحكمة مستغلاً حاجتها , , يربط ورقة بنكنوت قيمتها 10 جنيهات بخيط رفيع لا تراه "أحلام" أثناء مرورها أمام بيته المبنى بالطوب الأحمر من دورين , و حين تهمّ بالتقاط الورقة يراقصها بالخيط , ضاحكاً فى النهاية طالباً منها أن تصعد إليه كى يعتنى بتسرحة شعرها , الغواية من الأشياء التى يهتم بها "داوود" فى أفلامه جداً , الطابع السحرى و الداخلى للغواية , تصعد إليه "أحلام" ليصفف شعرها طالباً منها أن تزوره فى سهرته مع صديقتها "سمية/سلمى غريب" مقابل 100 جنيه قبل زواجها.

تتحدث جمل الحوار عما يدور فى عقل "داوود عبد السيد" من أفكار و رؤى , ينطقها الأبطال كلٌ حسب طبيعة دوره , فـ "أحلام" تصنف نظرات الذكور إلى جسدها فى الطرقات إلى ثلاث نظرات مختلفة (بصّة جعانة عاملة زى جمرة النار , تلسع) و (بصّة شبعانة حنينة زى الإيد لما تطبطب ع الكتف , تدفى , تاخدك فى حضنها و تضحك) و (بصّة تالتة خالص مالهاش مثيل , لا جعانة و لا شبعانة , زى الزيت التخين , الدافى , لما ينزل ع الجلد , بصة مالهاش طعم) , يذكرنى هذا الحوار بحوار "سيد مرزوق/على حسنين" فى فيلم (البحث عن سيد مرزوق) حين قسّم البشر إلى أربعة فئات (أسياد) و (عبيد) و (متمردين) و نوع رابع لم يذكره على ما أذكر ... "عم ركبة" نفسه يشكو فى بكائية حزينة أثناء توجعه فى حب "رمانة" : (ليه دايماً الحلاوة بتمسخّ , الجمال و الحلاوة بيخلصوا) معتقداً نفس الشئ فى "رمانة" نفسها فجسدها و حلاوتها سيزولان بعد أعوام من الزواج و لن تعود "رمانة" الشهية التى يتعذب برغبته فيها , دائماً فى جمل حوار "داوود عبد السيد" ما أشعر افتقاداً للنضارة , نضارة الحياة التى نبحث عنها.

رغم اختيار (داوود) لطبيعة صورة خشنة فى فيلم (سارق الفرح) ربما تكون نتيجة نوع شريط الخام الذى استخدمه فى التصوير, ورغم الإضاءة الخشنة أيضًا التى يغلب عليها ضوء النهار الساطع خاصة فى الطرقات والساحات المفتوحة للسماء بحكم طبيعة المكان, فضلاً عن الديكور المتقشف القاسى والجاف للغاية, برغم كل ذلك كله إلا أن ثمة نضارة أشعرها فى روح شخصياته, فى أحلامهم, فى التلاعب برغباتهم المحشورة فى أعمق نقطة لديهم, نضارة الحياة وصلتنى رغم خشونة الصورة التى صاغها بجودة عالية مدير التصوير (طارق التلمسانى) ومنسق الديكور (أنسى أبو سيف), مونتاج الفيلم واختيار اللقطات الثابتة فى الغالب للتقطيع بينها, إلى جانب اختياره لحجم لقطات أغلبها لقطات طويلة أو متوسطة لم يهتم فيها "داوود" كثيرًا بتكوين الكادر أو زاوية التصوير, إلا أنها أظهرت خشونة الملابس وطبيعة الحياة والأثاث والطرقات, وغيرها من تفاصيل المعيشة فى هذا الحى العشوائى فوق هضبة المقطم, وصنعت موسيقى (راجح داوود) الجو الذى يريده (داوود عبد السيد) فى الفيلم, سحرية الجوانب الداخلية المجهولة للشخصيات, مستخدمًا آلاته الأثيرة: (كلارينيت) يعلو فى لحظات شاعرية مبهجة إلى حد كبير, ليزايد على (فلوت) بارد متجهم , و(أبوا) حزينة عميقة شاردة تعكس الأحلام المنتهكة لشخصيات الفيلم.

Thursday, October 04, 2007

من روايـة إلى فيـلم

فى تحويل رواية الى فيلم سينمائى تقبع دائماً مجازفة , أثناء قراءتك لرواية ما فأنت تُخرجها بصرياً , تتخيل الأثاث الذى تعيش حوله الشخصيات , و اذا ما أخبرك الروائى أن لشخصيةٍ ما شارب رفيع تتخيل أنت على الفور الى أى مدى هو رفيع , قد تتذكر شارباً لقريب لك أو لشخص قابلته من قبل , ما أعنيه أنك تتخيل الرواية بصرياً بشكل من الأشكال , لذا حين يقوم مخرج بتحويل الرواية التى قرأتها أنتْ الى فيلم سينمائى فهو بطريقة أو بأخرى يتحدى خيالك , عارضاً عليك خياله الخاص و رؤيته البصرية لما قرأه كلاكما , أقول هذا لأن أمامى ثلاث نماذج مختلفة لثلاث روايات تحولت الى ثلاث أفلام سينمائية على أيدى ثلاث مخرجين.

هناك الكثيرون ممن يُشدّدون على ضرورة الفصل بين الرواية و الفيلم , على اعتبار أن كلاهما وسيط مختلف عن الآخر , هذا منطقى الى حد بعيد , لكنى لا أعلم على وجه التحديد كيف يتم هذا الفصل؟ إذا ما قرأت رواية ثم شاهدت فيلماً مأخوذاً عنها , فكيف يمكنك الفصل بين الاثنين , كيف يمكنك تجنب المقارنة بين الرواية و الفيلم؟ الا اذا كنت عضواً فى لجنة تحكيم مهرجانية أو اذا كنت لا تكوّن خيالاً بصرياً فى ذهنك عما تقرأه أو .... اذا كنت آلة!! , لن نسميها مقارنة , لأطلق عليها اسماً آخر لا تسعفنى ذاكرتى اللغوية الفقيرة على تذكره الآن ... أنا لا أملك أجوبة على أى حال , فقط سأتعرض للثلاث نماذج التى مررت بها.

(1)

قرأت رواية "عمارة يعقوبيان" لـ (علاء الأسوانى) قبل عام و نصف فى الطبعة الثانية التى أصدرتها دار مدبولى , كان تعليقى البسيط بعد القراءة أنها بالفعل رواية سينمائية , فقط , أما أدبياً فلن تعلق كثيراً فى الذاكرة الأدبية إلا لكونِها صَدَرت تحت ظرف سياسى و اجتماعى معين نلمسه جميعاً , لا أراها علامة أدبية تستحق كل هذا الاحتفاء و رأيى بالتأكيد سيكون مختلفاً , هى فى النهاية رواية سينمائية بأحداثها و بشخصياتها و بأماكنها و بغيرها من تفاصيل و مشهيات.

و سمعت مبكراً جداً أن (وحيد حامد) قد اشترى حقوق تحويلها الى سيناريو فيلم سينمائى , و لاحقاً عرفت - من باب الاشاعات - أنه قد أهداها لإبنه (مروان حامد) فى عيد ميلاده , المهم أن (عماد الدين أديب) تصدى لمهمة انتاج الفيلم مستعيناً بنجوم من أجيال مختلفة , و اكتمل الفيلم و رأيت الـ Trailer باللغة العربية و الانجليزية , ثم شاهدت الفيلم نفسه الصيف الماضى فى سينما "رينيسانس رويال" بالاسكندرية.

الرواية بسيطة لا تحمل لغة مميزة , فقط تحمل أحداثاً و شخصيات , تحويلها الى سيناريو لم أعتقد أنها ستكون عملية صعبة , ربما اخراجها هو ما سيستحق العناء , بالفعل قدّم (وحيد حامد) نقلاً مباشراً لأحداث الرواية بلا أدنى مجهود زائد , بل على العكس كان حضور العمارة فى الرواية أعمق بكثير عنه فى الفيلم بشكل واضح , من لم يكن قد قرأ الرواية قبل رؤية الفيلم كان يختلط عليه الأمر فيما يخص الشقة التى يقطن فيها (عادل إمام) مع أخته (اسعاد يونس) , هل تقع فى عمارة يعقوبيان أم الشقة التى تقع فيها هى مكتبه الذى يمارس فيه نزواته النسائية , فى الرواية أنت تعلم أن مكتب و جرسونيرة (عادل امام) هو الموجود فى العمارة , و أن الشقة التى طُرد منها تقع فى عمارة أخرى , هذا مجرد مثال لا ينتقص من سيناريو (وحيد حامد) , بل يؤكد فقط أن السيناريو لم يأت بجديد , و كذلك الاخراج , فكما تخيلت الرواية فى ذهنى كما صوّرها (مروان حامد) , فقط احتوى الفيلم على المشهيات اللازمة للسينما و للدعاية.

لم يقدم الفيلم قراءة مختلفة للرواية , شاهدته بلا منغصات , ما لفت نظرى هو (خالد الصاوى) يؤدى دوره لا بشجاعة فقط - فتلك أمور يسوّيها هو مع نفسه - بل بحرفية و بحساسية عالية أيضاً , ما استفزنى فقط هو الاستسهال فى التناول و أيضاً ذلك الاحتفاء الذى قام به صناع الفيلم أنفسهم لفيلم - هو من وجهة نظرى - عادى لم يفاجئنى , فضلاً عن الاحتفاء بـ (محمد عادل إمام) بدعوى أنه العوام ابن وز!! رغم المشهد الهزيل الذى أداه أمام (محمد الدفراوى) حين كان يخبره عن انتهاك جسده و هتك لعرضه فى السجن (هتكوا عرضى يا مولانا) .... قبل ذلك تأتى النصيحة المجانية التى تبرع بها أبوه (عادل إمام) فى بداية الفيلم لأحد الشباب بأن راحة البال هى مفتاح حياة جنسية ممتعة , ليؤكد أنه زير النساء الفاهم الخبير و هو ما يشدّد عليه فى الخمس أفلام الأخيرة له بشكل مقزز.

لا أملك الدخول فى تفاصيل اخراجية لـ (مروان حامد) , فذوقى يختلف مع النمط الذى يجسده هو و غيره حالياً , (مروان حامد) تلميذ نجيب لـ (شريف عرفة) - المخرج الحرفى الكبير - عمل معه كمساعد مخرج فى عدد من الأفلام , و أشدد هنا على كلمة "حرفى" فهذا سر اختلاف الأذواق , فى سينما (شريف عرفة) لا يدهشنى تغيير الزوايا فى المشهد الواحد و لا يدهشنى الاستخدام المفرط للكرين أو الشاريوه , و لا كثرة الفلاتر الملونة و لا تغيير العدسات باستمرار , وراء كل الأدوات و التكنيكات لابد أن يقبع شئٌ ما فنى , شئٌ ما يخطفنى ... لن يوافقنى الكثيرون لذا سألوذ بكلمة "اختلاف أذواق" كعادتى كلما ضاق الخناق , أريد فقط أن أٌذّكر بأن اخراج (مروان حامد) منذ "لماذا أطفئتى النور يا ليلى" يتّسم باللقطات الاستعراضية , كمشهد (عمرو واكد) فوق مأذنة الجامع يحاول مناجاة ربّه ليستمد منه القوة على الفتنة التى يعانى منها , صوّره (مروان) من كل الزوايا بشكل جعلنى أتقيأ , كان (عمرو واكد) فوق المأذنة , صوّره (مروان) من اليمين و اليسار و من أعلى و من أسفل , Tilt Up و Tilt Down , و من الأمام و من ظهره , كل هذا لم أرى له داعياً.

كذلك يطغى الاستعراض فى "عمارة يعقوبيان" و تحديداً فى تلك اللقطة التى لفتت نظرى و بشدة لثلاث عربات أمن مركزى , قبل تلك المظاهرة الهزيلة التى جاءت فى سياق الفيلم , العربات الثلاث التقطها (مروان) من الامام فى لقطة بعيدة , لم تكن العربات تسير فى طابور وراء بعضها كما هو الطبيعى , كانت تسير بتتابع هرمى غريب , عربة المقدمة يفصلها عن الرصيف التى تسير بحذاه مساحة ضيقة جداً , أضيق من تلك التى تفصل العربة الثانية و أضيق كثيراً فى حالة العربة الأخيرة , لا تسير العربات فى خط واحد , تسير فى خطوط متوازية خلف بعضها بشكل لم أفهمه , ربما لتظهر العربات الثلاث بوضوح فى لقطة بعيدة و هى متجهة نحو الكاميرا و بشكل مخيف مسيطر!!.

(2)

قرأت رواية "The Collector" التى كتبها الروائى الانجليزى John Fawles عام 1963 , و التى ترجمها (عبد الحميد فهمى الجمال) , قرأتها ضمن اصدارات "روايات الهلال" فى أغسطس 1992 تحت اسم "جامع الفراشات" , الترجمة جيدة الى حد ما , لكن الأخطاء المطبعية خصوصاً فى الثلث الأخير من الرواية كادت تهلكنى من الغيظ , أكملتها على أية حال , فالعناد كما أورثنى الكفر سيورثنى الهلاك , الرواية مسرحيّة بعض الشئ تعتمد على شخصين فقط و حدث واحد , رجل يختطف فتاة يحبها و يحبسها فى قبو بيت معزول فى ظل تهوية سيئة حتى تموت فى النهاية , الرواية بسيطة هى الأخرى تعتمد على حدث واحد ومكان واحد و شخصيتين كما قلنا , لا عجب أنها تحولت الى مسرحيات فى أكثر من بلد و الى مسلسلات , كـ (لينين الرملى) الذى مصّرها و مسرحها تحت اسم "الحادثة" و قدمت على خشبة المسرح فى التسعينات , و قام بدورى البطولة فيها (أشرف عبد الباقى) و (عبلة كامل).أخرج الفيلم المأخوذ عن الرواية المخرج الامريكى "William Wyler" تحت نفس الاسم "The Collector" عام 1965 بنجوم شباب غير معروفين وقتها - يذكرنى الممثل الذى قام بدور Grig بـ (محمد صبحى) بشكل غريب , الشكل المثلث لوجهه و هيئة جسمه النحيفة بل و طريقة حركته و نظراته و أداؤه - تم ترشيح الفيلم لنيل ثلاث جوائز أوسكار أساسية , شاهدت الفيلم بعد قراءتى للرواية و لا زلت ميالاً للمقارنة - أو ما اخترناه للتسمية - بين ما كوّنته فى ذهنى و ما رأيته فى الفيلم , الرواية مرة أخرى بسيطة و لا تحمل لغةً مميزة , تأتى شهرتها من الجو النفسى المشحون لتفسير و تحليل دوافع الشخصيات فى صراعهم المسرحى من شد و جذب طوال الرواية , أخرج "ويليام وايلر" الفيلم بنفس الروح , مع استبعاد بعض التفاصيل من الرواية لم يذكرها السيناريو , و اعتمد بشكل أساسى على نقاط أساسية أدّت الى تطور الاحداث , الفيلم هوليودى ستّينى جداً , بموسيقاه و أداء ممثليه و أسلوب المونتاج و الألوان و غيرها من تفاصيل بصرية أخرى , فى النهاية - فضلاً عن وفائه للرواية - جاء متقن الصنع.

الرواية و الفيلم على قدر من البساطة لم تشغلنى معها فداحة المقارنة , فحالها معى كما حدث تماماً فى "عمارة يعقوبيان" , الأحداث واضحة , الخط الدرامى بسيط بلا سرد أدبى معقد , كلاهما روايتان سينمائيتان , لاجديد فى تحويلهما لفيلم.

(3)

يختلف الأمر هذه المرة فربما تكون هذه هى التجربة الأصعب فى التنفيذ و الأكثر خذلاناً لى أيضاً , إنها رواية "كائن لا تحتمل خفته" التى كتبها Milan Kundera عام 1982 و نشرت فى طبعتها الأولى بالفرنسية عام 1984 , الطبعة التى قرأتها كانت الطبعة الثانية الصادرة عام 1998 بترجمة ممتعة لـ (مارى طوق) عن دار "المركز الثقافى العربى" , الرواية عبقرية لروائى مميز جداً و بلغة أدبية خاصة و بتكنيك كتابة صادم له طعم مختلف , استمعت بالرواية كما هو واضح , ثم شاهدت الفيلم الذى أخرجه "Philip Kaufman" تحت نفس الاسم "The Unbearable Lightness of Being" عام 1988 بإنتاج أمريكى قام بالأدوار الرئيسية فيه (Daniel Day Lewis) فى دور توماس , و (Juliette Binoche) فى دور تيريزا , و (Lena Olin) فى دور سابينا كما استعان كوفمان بـ (Sven Nykvist) مدير التصوير الذى رافق (Ingmar Bergman) فى العديد من أفلامه , خرج الفيلم بنكهة أوربية ظاهرية حيث تدور أحداثه فى التشيك كما هو الحال فى الرواية , الفيلم جاء وافياً تماماً لـ "أحداث" الرواية , مع ملامسة خارجية للشخصيات , لذا رغم المجهود المبذول خاب ظنى , Kundera استفاض و شرح بأسلوب خاص جداً شخصيات روايته , و هو الشئ الذى حمسنى لمشاهدة الفيلم , تطور الأحداث فى الفيلم جاءت مفاجئة و دوافع الشخصيات و أفكارهم تكاد تكون غير واضحة من فرط تسطيحها , لا أعلم لماذا توماس مقبل على الجنس ؟ لا أعلم لماذا عاد الى التشيك من سويسرا ؟ و أشياء عديدة أخرى لم أتبينها , فاستدعيتها من الرواية , ناهيك عن تجاهل بعض الخطوط الموجودة فى الرواية .... و لكن هذا لا يخصنى.

قرأت فى أخبار الأدب قبل أسابيع أن "كونديرا" لم يرض عن الفيلم و سيرفض أى عرض آخر لتحويل رواياته إلى أفلام , قرأت ذلك قبل أن أشاهد الفيلم , لم ألق بالاً فقد أختلف مع صاحب الرواية نفسه حول الفيلم لإختلاف الذوق بغض النظر عن كونه صاحب الرواية أو أن روايته أمتعتنى , فالسينما وسيط مختلف نتساوى أنا و هو فى كيفية استقباله , غير أنى بعد مشاهدة الفيلم وافقته.

تدور أحداث الرواية طوال 3 ساعات هى مدة الفيلم بقراءة مبسطة لخط واحد من الرواية , قراءة بسيطة لدخول قوات الاتحاد السوفييتى التشيك , قراءة بسيطة لشخصية توماس بل و مسطحة فى بعض الأحيان , هكذا جاء السيناريو , فكيف جاء الاخراج؟ ... الفيلم يحمل جواً و روحاً أوربية أساسية فى الأداء الحر للممثلين و الموسيقى الكلاسيكية المصاحبة , و بالطبع أماكن التصوير المميزة طوال الفيلم , لكنه فى النهاية فيلم أمريكى اعتمد على الخط الرئيسى فقط فى الرواية , الفيلم كما الرواية يمتلئ بالجنس بلا مواربة و هذا يحسب له , فالجنس عامل أساسى فى الرواية و فى تطور الشخصيات , غير أن المميز فى الرواية من تفاصيل و نفاذ ناجح داخل روح الشخصيات فضلاً عن مغزى عنوان الرواية تم تجاهله تماماً فى السيناريو , لا يصنع هذا مشكلةً فى رأيى كما قلت فهذا لا يخصنى اذا ما عوضنى الفيلم جيداً و هو لم يحدث.

كان لتجاهل أشياء مهمة للغاية فى الرواية , و الاكتفاء بعرض الأحداث و الشخصيات من الخارج دوراً رئيسياً فى القفزات المفاجئة التى حدثت طوال الثلاث ساعات , فجاء الفيلم عادياً بالمقاييس السينمائية عن رواية غير عادية بكل المقاييس , الجو الأوروبى المميز للفيلم يمكن له أن يحتوى أية نوعية من القصص و الأحداث - ربما هو ما أغرى المخرج - لكن لا خصوصية على الاطلاق لتحويل هذه الرواية بالذات.

----------

ربما جاءت آرائى متعسفة , لكنها ليست آراء بقدر ما هى تساؤلات عن طبيعة تحويل النصوص الأدبية لأفلام سينمائية , و التى أعتبرها مجازفة نجا منها القليلون , كـ (داوود عبد السيد) فى "الكيت كات" أو فى "سارق الفرح" , حين قدّم رؤية مختلفة تماماً عن النص الأدبى الذى حوّله لكنه لم يُفقد الخيال الخاص بالقارئ جماله و خصوصيته , لذا أُطلق عليه مخرج فنان لا مخرج حرفى , ربما لأن (داوود عبد السيد) مخرج بنكهة أديب.

Monday, September 03, 2007

كــده رضــا

كأهلاوى شاهدت مباراة الأهلى و الهلال فى البطولة الأفريقية للأندية الأبطال , و كمتابع لأفلام الصيف شاهدت أيضاً فيلم "كده رضا" فى نفس الأسبوع , و النتيجة .. صدرت منى - بتلقائية شديدة - ألفاظ فى غاية الأباحة و السفالة , فهزيمة الأهلى بهذا الشكل المهين فى أم درمان فى نفس الأسبوع الذى أتعرض فيه لهذا الكم من السخافة فى سينما (ريو) بالإسكندرية لهو شئ فوق الإحتمال ... فى النهاية إذا ما حصرت الأمر فى حدود فيلم "كده رضا" على اعتبار أن كرة القدم فى النهاية هى مكسب و خسارة على العكس من الأفلام , فلا أحد سيعوضنى الساعتين إلا ربعاً التى قضيتها أضرب كفاً بكف و أنا أشاهد "كده رضا" :

(1)- اسم الفيلم - "كده رضا" - يصلح ككثير من الأسماء لغيره من السيناريوهات بلا أدنى مخاطرة أو إحساس بالذنب , و ربما لو كان "أحمد حلمى" يقوم بدور "مغاورى" لكان اسم الفيلم "كده مغاورى" , لكنهم فى النهاية سموه "كده رضا" فقط لأن (القافية حكمت).

(2)- السيناريو هو التجربة الأولى لـ "أحمد فهمى" , و هى تجربة كان من الممكن جداً تجاهلها و عدم الإعتداد بها بحكم أنها أصبحت من نصيب "أحمد حلمى" الممثل الكوميدى الكبير و الذى لن يلتفت الجمهور لمشاكل السيناريو الذى يمثله , غير أن بعض الجمهور تساءل بصوتٍ عالٍ بعد إنتهاء الراوى من خطبته العصماء قبل نزول تترات البداية قائلاً : (هوه الفيلم كده خلص و للا ايه يا جدعان) , و لهم كامل الحق فى السؤال , فالراوى تقريباً حكى تيمة الفيلم الأساسية فى 3 أو 4 دقائق - (عشان ينجز و يبدأ على نضيف) - بشكل مطول جداً فشل معه فى محاكاة مثل هذه المقدمات فى أفلام أخرى معروفة كـ Le Fabuleux destin d'Amélie Poulain و غيره من تلك الأفلام التى تعتمد على الحكى الرشيق , لتصبح مقدمة "كده رضا" سرداً جافاً للأحداث على لسان راوى يمكن الإستغناء عنه دون ندم.

بعد المقدمة بدأ الفيلم فى ترتيب (اسكتشاته) القصيرة بتتابع على نفس التيمة , ثلاث أخوة توأم ماتت أمهم و هى تلدهم , تركتهم فى رعاية أبيهم - "هندى/لطفى لبيب" - الذى سجلهم بدوره فى سجل المواليد تحت اسم واحد هو "رضا" - قام بالأدوار الثلاثة "أحمد حلمى" - اتقاءاً للحسد و توفيراً لتكاليف تربية ثلاث أبناء فى نفس الوقت , و هكذا يلعب كاتب السيناريو على تلك التيمة فترة لا بأس بها مختلقاً المواقف التى تصل لـ 4 أو 5 اسكتشات ما بين القصيرة و الطويلة تحت دافع واحد و هو أن النصب يعتبر المصدر الأساسى لرزق هذه العائلة :

أ - فهم ينصبون فى مسابقة جرى جائزتها الأولى 10 آلاف جنيه بأن يقتسموا مسافة السباق بين ثلاثتهم .. تخيلت فى بداية هذا الاسكتش أن أحدهم سيبدأ السباق ليسجل وجوده بينما سينتظر أحد الإثنين الآخرين قرب النهاية ليجرى عدة أمتار متجاوزاً الخط و معلناً فوزه بالسباق , لكنى اكتشفت أنى قد نصبت بطريقة أفضل من طريقة السيناريست , فـ "أحمد فهمى" جعل الثلاثة يقتسمون مسافة السباق بينهم بالتساوى بحيث يعدو كل منهم جزء من السباق ليفوز الأخير بالجائزة بينما الباقى منهكون.

بـ - ينصبون أيضاً على جارهم الحلاق - "محمود أبو زيد" - فيبيعونه نظارة شمس يخبرونه أنها تكشف العورات بعد 3 ثوانى من ارتدائها .. لك أن تتخيل كم السماجة فى هذا الاسكتش.

جـ - كما ينصبون على "سعيد طرابيك" صاحب إحدى الحانات عن طريق بيع محلولاً مغشوشاً و كأنه نبيذ مستورد من اليونان , مقنعين إياه بذلك بظهور ثلاثتهم أمامه يتمايلون ليعتقد أن وجود ثلاث نسخ من نفس الشخص هو التأثير القوى للنبيذ.

و غيرها من المواقف المعتمدة على كونهم ثلاث أخوة توأم لا يعرف بأمرهم أحد و لا حتى الحكومة , يختبئون فى قبو و يخرجون من المنزل فرادى كل منهم له يومه , تدور هذه الاسكتشات بالتوازى مع عرض اختلافاتهم الشخصية عن بعضهم البعض , فأحدهم قاسى و جرئ : "البرنس" و الثانى مجنون كرة فشل فى الإلتحاق بالنادى الأهلى : "بيبو" و الثالث ضعيف مسالم : "سمسم" , و بحكم كونه أضعفهم و أكثرهم براءة , و لا يريد النصب مثلهم على خلق الله مفضلاً البقاء فى مصر على السفر معهم إلى الخارج يتردد "سمسم" على "خالد الصاوى" الطبيب نفسى ليستدل على طريقة حياة أفضل , بانتهاء الوقت المحتمل لاسكتشات "أحمد حلمى" المنفردة تظهر "منة شلبى/ندى" لتمنح كاتب السيناريو فرصة أخرى ينوع فيها على اسكتشات أخرى تعتمد أيضاً على تيمة الثلاثى التوأم التى رواها الراوى قبل نزول التترات.

هنا و حتى قرب نهاية الفيلم يسير الفيلم بثقة نحو تصنيف فيلم كوميدى صيفى من بطولة "أحمد حلمى" ... لكنه الطمع , فيتحول الفيلم بقدرة قادر إلى لغز على البطل أن يحله , يتحول إلى فيلم إثارة ذكرنى فى أكثر من تفصيلة فى نهايته بالفيلم الأمريكى Matchstick Men خصوصاً فيما يتعلق بشخصية "ندى" التى تعّلق بها "أحمد حلمى" و اجتهد فى مساعدتها و فيما يتعلق بالطبيب النفسى "خالد الصاوى" الذى يختزن أسرار "سمسم" , فضلاً عن طريقة كشف "أحمد حلمى" لخبايا الأحداث.

(3)- المخرج "أحمد نادر جلال" و منذ شاهدت إتقانه و إجادته فى فيلم "واحد من الناس" قبل عام و نصف و أنا أحرص على متابعة أفلامه , فما فعله وقتها مع سيناريو مستهلك و تيمة محفوظة لـ "بلال فضل" يستحق الإشادة , و لكنها صدفة على ما يبدو أو شئ ما آخر لا أعرفه , فمن غير المعقول ما رأيته فى فيلمه التالى "فى محطة مصر" لنفس الأبطال و كاتب السيناريو , و فى فيلمه الأخير "كده رضا" !! ... لا جديد فى الفيلمين سوى ما يحفظه الجمهور عن الفارق بين "كريم عبد العزيز" و "أحمد حلمى ", حيل الجرافيك و الكروما و غيرها من الأشياء المصنوعة بعناية لا تصنع فى النهاية مخرجاً , كما أن ايقاع الفيلم سواء فى السيناريو أو فى الصورة و المونتاج غير متقن بالمرة على العكس منه فى "واحد من الناس" , و لن يكفى "أحمد نادر جلال" كى يصبح مخرجاً كبيراً أن يظهر بنفسه داخل أفلامه فى لقطة يسرقها هنا أو هناك.

(4)- ليس من المخجل أن يقوم الممثلون ذوو الدم الخفيف و البديهة الحاضرة فى إلقاء النكات على المسرح كأى Standup Comedian محترم على مستوى العالم , كل ممثلى هوليوود المشهورين بالكوميديا فعلوا ذلك فى بدايتهم و حين انتقلوا إلى شاشة السينما اختلفت طبيعة الفكاهة التى يقدمونها مع الوقت , أما أن يظل "أحمد حلمى" يقدم النكات و الإفيهات الغير مرتبطة بأى شئ على سبيل السذاجة طيلة خمس أو ست أفلام قام ببطولتها فهو الشئ الكثير و المبالغ فيه جداً.

Sunday, August 12, 2007

الشبح

بغض النظر عن كون شركات الإنتاج المصرية تصرف للمُشاهد أغنية و عصابة و رجل أعمال و عدة مشاهد مطاردة و ضرب و قتال بالمسدسات و سيارات تتهشم على الطرق و الأرصفة فى كل فيلم أياً كان فإن فيلم "الشبح" كان موفقاً إلى حد ما فى كل هذه العطايا و الهبات التى تهبها لنا شركات الإنتاج فى مصر , أقول إلى حد ما لأن هناك عدة كيلوجرامات من الكوميديا تُصرف لنا أيضاً بحكم كوننا المصريون (دمنا خفيف مهما كان) , فلم لا نبيعه بعض الكوميديا !!

بداية الفيلم و حتى 45 دقيقة بعد نزول التترات كانت مبشرة للغاية , مبشرة بالنسبة لنوعية أفلام التشويق و الإثارة التى غزت سوق السينما المصرية , أقصد بالطبع أفلام التشويق التى يستلهمها كتاب السيناريو - و من بعدهم المخرجون - حرفياً من السينما الأمريكية بالرغم من كونى طيلة 25 سنة لم أرى عصابات تتقاتل بالمسدسات و لا تطارد بالسيارات فى شوارع مصر بهذه الإعتيادية الغريبة , لكنهم بالتأكيد سيخبرونى و يخبروك (عزيزيى المشاهد , إنه الخيال ....).

كاتب السيناريو - و المشارك فى إنتاج الفيلم - "وائل عبد الله" سبق له القيام بتجربة هذا النوع من الأفلام مع المخرجة "ساندرا نشأت" و بالتحديد فيلم "الرهينة" فى العام الماضى , كما أنه صاحب قصة فيلم "تمن دستة أشرار" التى كتبها كسيناريو "خالد جلال" و أخرجها كفيلم "رامى عادل إمام" .. إذن نحن نعرف إلى حد ما نوعية الأفلام التى تأثر بها و أحبها "وائل عبد الله" و قرر إدخالها بتوسع إلى سوق السينما التجارية فى مصر : أفلام التشويق و الإثارة , الأفلام الملغزة , المعتمدة على حبكة الأحداث و إخفاء الأسرار بمنطق مختلف عن منطق المخرج المصرى الجميل الراحل "كمال الشيخ" .. لن أدعى أنى من كارهى هذه النوعية كما أنى فى نفس الوقت لست من نوعية الجمهور الذى يمتلك القدرة على توقع الأحداث و استنتاج النهايات , و عند هذه النقطة "وائل عبد الله" - ككاتب للسيناريو - نجح إلى حد بعيد فى شد إنتباهى دون ملل و دون استسهتار بعقلية الجمهور معى حتى قبيل النهاية بفترة معقولة , اجتهد فى صياغة حبكة الفيلم و لعب فى زمن الفيلم و فى أماكن الأحداث بشكل أفضل إلى حد بعيد من تجاربه و تجارب غيره السابقة , فنحن أمام بطل يستيقظ من نومه فى أول مشهد ليجد جثة شخص مقتول على السرير المجاور له فى مكان ما لا هو و لا نحن نعرفه , السيناريو يخبرك دون ملل و بدون تأخير أن "أحمد عز" فاقد الذاكرة لا يعرف حتى اسمه و علينا تتبع الطريق الذى سيسلكه للكشف عن هويته و عن سر الجثة الغامضة التى وجدها إلى جواره , تتابع الأحداث و طريقة الكشف عن مفاتيح اللغز سارت بشكل منطقى و مميز , توقيت ظهور الشخصيات التى سيتعثر بها "أحمد عز" فى الفيلم كان توقيتاً منطقياً ساعد على حيوية السيناريو , حتى تورط المشاهدون تماماً فى الموضوع باتضاح خيوط اللعبة إلى الحد المناسب الذى يظل معه "وائل عبد الله" مخفياً شئ ما يجعلك بإستمرار جالساً على مقعدك بلا تأفف.

يوجد قرب نهاية الفيلم هذا المشهد المشهور الذى يتبرع فيه أحد الأبطال فيشرح اللغز أو السر إلى أحد الأبطال الآخرين ليعرف المشاهدون الجالسون فى القاعة المظلمة فى جوع لمعرفة سبب جلوسهم هنا , هذا المشهد مصنوع بوعى فى فيلم "الشبح" ففضلاً عن كون "صلاح عبد الله" ممثل متمكن يجيد هذه المواقف فإن وجود هذا المشهد فى السيناريو مبرر جداً بحكم أن "صلاح عبد الله/عبد الصمد" يشرح اللغز إلى "أحمد عز" الجائع مثلنا تماماً لمعرفة الحقيقة - لا تنسى أنه فاقد الذاكرة و استيقظ معنا على أحداث ساخنة متشابكة لم يحضر مقدماتها مثلنا تماماً على خلاف باقى أبطال الفيلم - بعد أن توحد معه الجمهور فى أول دقائق الفيلم.

أعتقد أن "أحمد عز" من الذكاء الكافى - أو من فرط (دعاء الوالدين) - بحيث يختار تلك النوعية من الأدوار التى يؤديها , تلك الأدوار التى لا تعتمد بشكل كبير على التعبير أو الإحساس أو حتى التشخيص , فى أفلام "أحمد عز" تكون القصة و عين المخرج هى البطل الرئيسى أما هو فمجرد ممثل يؤدى دوره لتحريك الأحداث , ذكاء يفتقد إليه باقى نجوم الصف الأول بإصرارهم على لعب كل شئ فى كل أفلامهم بغض النظر عن طبيعة السيناريو و عن طبيعة إمكانياتهم , لذا يظهر "أحمد عز" فى المقاس المناسب له و فى الملابس اللائقة له تماماً ليتطور فى هذه المنطقة من فيلم إلى آخر , فبالتأكيد هو الآن أنضج كثيراً من بدايته و قادر على العطاء أكثر بملامح وجه متناسقة تمكنه من أداء أدوار متلونة و مقنعة داخل الفيلم , أحياناً عندما يكون الممثل (صفحة بيضاء) يكون ذلك فى صالحه و صالح العمل لأنه لن يجيب إجابات ساذجة أو خاطئة.

يقول المخرج "عمرو عرفة" أن ألوان الفيلم معالجة بشكل جديد لم يستخدم من قبل, و هو شئ حقيقى و ملحوظ, غير أنه مفرط جداً, لون اللقطات معتنى به , كما أن الإضاءة و الفلترات التى استخدمها مدير التصوير "محسن أحمد" نجحت فى إعطاء بعد لونى لمكان و زمان الأحداث, لكنها كانت تثير ارتباكى أثناء المتابعة, خاصة مع تعدد أماكن التصوير فى أحداث السيناريو, فضلاً عن التنفيذ الغير لائق لنقلات الزمن بين المشاهد التى تدور فيها الأحداث, كان "عمرو عرفة" معنياً بإخراج كل خط من خطوط السيناريو بشكل بصرى مختلف عن الخطوط الأخرى لكنها كانت مختلفة بإفراط, كما أن (تصحيح الألوان) فى الفيلم كانت تشوبه مشكلة رغم الفكرة الطموحة التى ربما تؤتى ثمارها فى فيلم قادم لـ "عمرو عرفة", فى تقديرى المونتاج أيضاً ساعد فى محاولة الخروج بصورة مختلفة للفيلم, لأن المونتير "أحمد حافظ" صنع إيقاعاً حيوياً و نفذ المطلوب تماماً فى تلك النوعية من الأفلام خاصة فى مشهد المطاردة الذى يدور فى منطقة "جدران" بالإسكندرية بين "أحمد عز" و عصابة "باسم سمرة", ذلك المشهد ساهمت أغنية الفيلم فى تقديمه بشكل مختلف تماماً عن أمثاله فى أفلام أخرى , و بشكل جديد فى أفلام الألفية الثالثة فى مصر, أتى ذلك فى رأيى نتيجةً لعدم إعتماده على الكليشيهات التى نحفظها عن ظهر قلب و التى يظل فيها المُشاهد مطالباً بدموعه و نحيبه و تأثره لما يصنعه البطل و المخرج فى الفيلم, هذا المشهد بألوانه و بتصميم منطقة "جدران" و الفنار المجاور لها فى المكس , مع استخدام "محسن أحمد" لإضاءة ناعمة و صريحة فى أغلب لقطاته, كلها أشياء ساعدت فى تحريك الأحداث و حل مفتاح فى الحبكة, فى نفس الوقت الذى قدمت فيه صورة جميلة و إيقاع مناسب تماماً لهذا المشهد فى السيناريو.

الفكاهة التى كان يمثلها "محمود عبد المغنى" فى أدائه لدور "سليمان" فى الفيلم غيرت من ملامح الفيلم إلى حد كبير و أبطأت من إيقاعه فى أكثر من مكان, فى الأغلب فإن الفكاهة مصروفة للمشاهد فى الأفلام حتى لا يشترى من أى قاعة أخرى تعرض فيلماً آخر, فكل شئ موجود على طريقة (هاتلفْ تلفْ و تجيلى فى الآخر), أما شخصية "أحلام/زينة" فبالتأكيد لم يكن الفيلم بحاجة لها, لا أعنى أداءها أو أن تمثيلها جاء سيئاً, بالعكس فـ "زينة" قد أدّت المطلوب تماماً, لكن دورها المكتوب فى السيناريو لا فائدة منه على الإطلاق, و لم يجتهد "وائل عبد الله" فى خلق أى دور جدى مؤثر لها فى الأحداث, على العكس من شخصية "منة فضالى" على صغر مساحته, لكنه كان ضرورياً , "صلاح عبد الله/عبد الصمد" يجيد الرقص على الحبال بمهارة, أعنى حبال التمثيل فهو يجيد الإنتقال بين مناطق الأداء المختلفة, الخوف أن يصبح مكرراً و أن يختار أدواراً نمطية كـ "خالد صالح" على سبيل المثال.

يبقى أن هذا الفيلم رغم طموحه لن يبقى فى الذاكرة كعادة تلك النوعية من الأفلام بتلك النوعية من المشاكل.

Friday, August 03, 2007

تيمور و شفيقة

بدون إفتاء و دخول فى النوايا خرجت من القاعة رقم 4 فى سينما أمير بالإسكندرية - حفلة الحادية عشرة مساءاً !!!! - متأكداً أن الهدف من إنتاج فيلم "تيمور و شفيقة" هو عرض فيلم صيفى بسيط لا ينغص , سهل البلع , يهضم الرطوبة و الحر داخل قاعة مكيفة أثناء صيف ممل , كنت مخيراً بين دخول فيلم "الشبح" و بين دخول فيلم "تيمور و شفيقة" , و استقر الإختيار فى النهاية على الأخير لأقضى ساعة و نصف تقريباً وسط زحام و أطفال رضع بكائين و مصييفين , فضلاً عن مراهقين يتابعون مدى خطورة المشاهد الرومانسية - التى يعتبرونها ساخنة - بين "أحمد السقا" و "منى زكى" على زواج الأخيرة من "أحمد حلمى" كما فعلوا تماماً عندما شاهدوا المشاهد الرومانسية بين "كريم عبد العزيز" و "منى زكى" فى فيلم "أبو على" ... هكذا أصبحت مشاهدة الأفلام فى قاعات السينما فى مصر تسلية بحتة , تسلية غير منغصة على الإطلاق , أقول هذا فى البداية لأدلل على أنى لم أتأذى من مشاهدة الفيلم و لم أسخط عند خروجى من القاعة فلا شئ مهم على الإطلاق حدث فى القاعة رقم 4 فى سينما أمير , فقط شاهدت فيلماً لن يعلق فى ذاكرتى و أنا عائد إلى المنزل و ربما أنسى بعد عدة أشهر أنى دخلته من الأساس و حين يعاد فى قناة "ART Cinema" سأحرص على مشاهدته فى ميعاد تناولى وجبة الغداء حتى أنتهى منه بسرعة بدون عسر هضم.

فـ "تامر حبيب" - كاتب السيناريو - كعادته يلتقط الفكرة من الهواء الطلق و ينسج فيها - لا حولها حتى - فيلماً بلا هدف و أحداث ليست مملة فقط بل و مكررة داخل أحداث الفيلم نفسه , يبدأ الفيلم باستعراض علاقة "تيمور\أحمد السقا" بجارته "شفيقة\منى زكى" و حبهما الأصيل منذ الطفولة و هدية عيد الفطر التى يواظب "تيمور" على شرائها لـ "شفيقة" منذ الصغر , عقدة الفيلم أن "تيمور" ذكورى غيور و "شفيقة" مزة طموحة , أعتقد بدون الدخول فى النوايا كما قلت أن هذا فقط ما جاء فى بال "تامر حبيب" فجلس لمدة ساعة أو أكثر أمام الأوراق البيضاء على سطح مكتبه ليكتب السيناريو و الحوار بإفيهاته , فيكرر مشاحنات "تيمور" مع شفيقة" : مرة حين يقلها من أمام كليتها ليجدها تقف مع أحد زملائها , و مرة فى حفل عيد ميلاد صديقة لها فيطلب نفس الزميل ان تشاركه الرقص , و مرة عندما تعصى أوامره بالبقاء فى منزلها أثناء خروجه لحراسه وزير الداخلية فى أجازته الصيفية لكنها تذهب مع صديقاتها إلى نفس الشاطئ الذى يمارس فيه "تيمور" عمله , و أيضاً بالطبع فى كل مرة ترتدى فيها "شفيقة" ملابس كاشفة تفضح ما وصلت إليه من مزمزة , ثم فى النهاية مشاهد الحركة التى ينقذ فيها "تيمور" حبيبته "شفيقة" من عصابة إرهابية - غير التى كانت تريد اختطاف ابن وزير الداخلية - لأن "أحمد السقا" هو من سيؤدى دور "تيمور" فيصبح تدخينه و ارتدائه الفانلة الحمالات مبرراً لتبرز عضلات ذراعيه و يلهم الفتيات اللاتى لم تلهمهن سهوكة "تامر حسنى" و لا وسامة "أحمد عز" و لا سذاجة "أحمد حلمى"و لا شهامة "كريم عبد العزيز".

هكذا يسير "أحمد السقا" فارداً جناحيه كالعادة حاملاً ابن وزير الداخلية الذى يعمل فى طاقم حراسته منقذاً إياه من براثن عصابة إرهابية فى بداية الفيلم و فى لقطات Slow Motion مؤثرة للغاية , مؤثرة للغاية , مؤثرة للغاية ... لأن التكرار مفيد فى الحديث عن فيلم "تيمور و شفيقة".

نعود إلى "تامر حبيب" و نتابع معاً ذكريات السينما بدءاً من فيلم أثار إعجاب معظم من شاهدوه و هو "سهر الليالى" , و فيلم "عن العشق و الهوى" .. فى كلا الفيلمين يثرثر "تامر حبيب" بلا هدف سوى نسج علاقات متشابكة يمكن أن تحل فى أى وقت لكنه يطيل من زمنها كي يستمر الفيلم فى طريقه نحو تصنيف "فيلم روائى طويل" معتمداً بين الحين و الآخر على اختراع مشكلة وهمية كلما آلمه ضميره و هو يشاهد السيناريو سائراً تحت مداد قلمه بلا هدف , ليس الحديث هنا عن "سهر الليالى" و لا "عن العشق و الهوى" لكنه عن "تيمور و شفيقة" الذين ينفصلان عاطفياً بعد نصف ساعة من بداية الفيلم و يتعاملا - بمبادرة من الذكورى "تيمور" - كالأشقاء و هو ما كان من الممكن حدوثه فى أى وقت فى الفيلم كما كان لا يمكن حدوثه أيضاً , لا نرى مبرارت درامية مقنعة مصنوعة بإحكام لمسار الأبطال فى السيناريو.

عذراً فما دام الفيلم يتحدث عن المرأة حين ترأُس حبيبها و تتقدم فى عملها بطموح بشكل لا يرضاه حبيبها لابد أن أتذكر الفيلم الجميل "مراتى مدير عام" للمبدع "فطين عبد الوهاب" و هو ما سيجحف من حق "تيمور و شفيقة" بالتأكيد , كما أنه سيرينا أن السينمائيين و المجتمع بأسره لا يسير إلى الأمام و ربما يتراجع أيضاً , فـ "شفيقة" فى نهاية الفيلم و قبل اختطافها من قبل العصابة الإرهابية تصارح "تيمور" بكرهها لتسلطه و أنانيته حين يخيرها بين شيئين منطقيين من وجهة نظره : إما منصبها كوزيرة للبيئة و إما علاقتهما لأنه لن يسمح لنفسه بأن يسير فى ركابها , لكن "تامر حبيب" يستأجر عصابة لتخطف "شفيقة" فيصورها المخرج "خالد مرعى" و أفرادها تتلقى الصفعات و الركلات على يد "تيمور" الذى يحتم عليه واجبه - كحارس خاص لـ "شفيقة" قبل أى شئ - أن ينقذها لينتهى الفيلم بـ "شفيقة" و قد رضخت لـ "تيمور" فتستقيل من منصبها كوزيرة بعد ساعة و نصف من الثرثرة المتواصلة حول نفس الشئ : "تيمور بيحب شفيقة و شفيقة بتحب تيمور لكن تيمور ذكورى غيور و شفيقة مزة طموحة" و الحل الطبيعى أن تحافظ "شفيقة" على "تيمور" فى نهاية الفيلم لا فى بدايته لأنها لو فعلت ما فعلته فى أى وقت آخر لما كان هناك فيلم "تيمور و شفيقة".

هل تستحق ثغرات الفيلم الحديث عنها ؟ كالبحث عن تفسير لعدم زواج "تيمور" و "شفيقة" رغم الصداقة الحميمة التى تجمع أسرتيهما لدرجة - مثلاً - أن والدة "تيمور" - "رجاء الجداوى" - هى التى تتآمر ضده و ضد والدة "شفيقة" - "هالة فاخر" - بإثارة غيرته لأنه يصر على إلتزام طابع الأخوية فى تعامله مع "شفيقة" , ربما لو صُنع هذا الفيلم قبل 50 عاماً لفرحت بمشاهدته أكثر و لدام فى ذاكرتى أكثر.

بخصوص الفنيات فى الفيلم فهو أول تجربة إخراج للمونتير "خالد مرعى" , و أعتقد أن كل أفلامه القادمة ستكون أيضاً هى تجاربه الأولى , فلا شئ جديد و لا إيقاع مميز و لا صورة و لا مشاهد فريدة تضطره إلى ترك مقعد المونتير ليجلس على مقعد المخرجين مُخرجاً ثانى أسوأ مشاهد حركة بعد "خالد يوسف" فى "خيانة شرعية".

Wednesday, May 23, 2007

كتكوت

كما قلنا فى مكان ما أن مشاهدة الأفلام تجربة فردية جداً , و مشاهدتى لفيلم (كتكوت) كانت تجربة فردية فريدة للغاية فـ :

1- أن ألاحظ بدقة التشابه الخرافى بين ملامح "محمد سعد" فى أداء شخصية الصعيدى (كتكوت) و ملامح عم "سيد" الأستورجى الذى قام بتلميع كل قطع أثاث غرفتى قبل أسبوعين فهذا يعتبر مدهشاً فى حد ذاته , خاصة تلك الإبتسامة الطيبة الساذجة التى تنطبع على وجهيهما و ما يلزمها من تكور الوجنتين و ارتفاع الشفة العليا على آخرها و تحليق العينين على اتساعهما , فضلاً عن الشارب الذى يتوسط وجهه كلاهما , التشابه فظيع و ممتع فى كل مستوياته , فالعم "سيد" كان كوميدياناً من نوع خاص هو الآخر حتى أنه طلب منى فيلماً رومانسياً فيه مشاعر حين رأى مجموعة الـ CDs التى أملكها , ثم أشار إلى فيلم (American Psycho) فى النهاية و انتقاه على وجه الخصوص , ملامح عم "سيد" و ابتسامته كانا ممتعين لأقصى قدر كما قلت , بكل خفة الدم التى تقفز منهما و مع كل نكتة يلقيها أو تعليق يتركه فى التفاوض المالى بعد انتهاء عمله , حين رأيت "محمد سعد" فى هذه الشخصية بكل هذا التشابه فى الملامح لم أتمالك نفسى من الضحك و أيضاً لم أحاول تمالكها.


2- أن أبدأ فى ملاحظة ما يفعله مونتير الفيلم "معتز الكاتب" و حنقى على الاستسهال الذى يمارسه طوال الفيلم مستخدماً الاسلوب المعروف بـ (اقطع اللقطة الواحدة لقطتين (1 و 3) و حط بينهم لقطة (2) بحيث يصبح ترتيت اللقطات 1 , 2 , 3) , "معتز" يفعل ذلك باستمرار حين يقطع بين حدثين يحدثان فى نفس المشهد , لكنه لا يحذف و لو جزء واحد من الثانية فى بداية اللقطة (3) بعد انتهاء اللقطة (2) لمراعاة الزمن الذى مر منذ انتهاء اللقطة (1) , هذا يضايقنى و يزعج غدة التفاصيل لدى , فهكذا أفضل أن يكون المونتاج , أن يكون متقناً , و لكن لكل مونتير أسلوبه فى النهاية.

3- أن أستمر فى صب اللعنات على عائلة "أديب" الإعلامية الإنتاجية الضخمة فى كل تصريح لأحدهم بعد وفاة العبقرى "أحمد ذكى" , و كيف أن السينما المصرية فقدت الممثل الوحيد الباقى الذى يؤدى دوره من منطقة (التقمص) و هى الطريقة المعروفة لأداء "أحمد ذكى" , ارتداء الشخصية من الخارج بحيث يشبهها تماماً و يتلبسها بالكامل و يصبح هو بالضبط الشخصية التى يمثلها , و هى بالمناسبة طريقة أداء موجودة فى كل العالم تختلف عن طريقة أداء "عادل إمام"و "Al Pacino" و "Anthony Hopkins"مثلاً , اللعنات تأتى فقط حين تتغير دفة الحديث و تتجه نحو الواجب الآن المفروض علينا جميعاُ و هو رعاية "هيثم أحمد ذكى" الرعاية الكاملة , لأنه الكنز الوحيد الباقى القادر على استكمال مسيرة والده , فقد قرأ السيناريوهات مع أبوه و رافقه فى مشواره فى السينما , و رضع من موهبته الكثير الذى سيغرقنا به فى العقود القادمة فقط إذا راعيناه رعاية الإبن الموهوب المعجزة , أشاهد "محمد سعد" و أزيد من لعناتى , "محمد سعد" موهوب جداً فى طريقة الأداء التى نتحدث عنها , كاد أن يقلد و يتقمص "أحمد ذكى" نفسه فى أدائه لشخصية الصعيدى فى فيلميه (الهروب) و (البيه البواب) , مع التشابه الشديد فى الماكياج و لزمة بحة الصوت فى نهاية الجمل حين يزداد الانفعال أو العصبية أو عدد الكلمات , ذكرنى "محمد سعد" أيضاً بـ "نجاح الموجى" فى مسرحية (المتزوجون) و ذكرنى حديث عائلة اديب عن "هيثم أحمد ذكى" بما أسمعه عن "أحمد أمين حداد".

4- أن أحنق من كل هذا الكم من الراكورات الفاشلة طوال الفيلم سواء فى الأداء أو الإضاءة , تتابع الأداء و الإنفعال فى تقطيع اللقطات على "محمد سعد" بين لقطة عامة و بعيدة و متوسطة و قريبة فى أى من مشاهد سولوهاته العديدة فى الفيلم سئ جداً و غير متقن للغاية , فضلاً عن أخطاء مدير التصوير فيما يتعلق بالإضاءة , كمشهد اليخت فى اسكندرية , تجد أحد الممثلين يلقى جملته و السماء فوقه غائمة , ثم يتم القطع على ممثل آخر فى نفس المشهد و السماء مشرقة بشمس الأصيل فى كل شبر من السماء , أسب للمخرج و المونتير و مدير التصوير على كل تلك الراكورات الخاطئة ثم أحسبن.

5- أن أصفق إعجاباً لـ "محمد سعد" لمواهبه العديدة و المتنوعة طوال الفيلم بين أدائه لموال صعيدى شديد جداً و جميل للغاية بمنتهى السلاسة و الإتقان و النقلات و التطريب المدهش.

6- أو عزفه بلسانه فقط جملة لحنية شهيرة تعزفها آلة القانون فى مقدمة موسيقية لأغنية من أغانى" أم كلثوم" بمنتهى الاتقان أيضاً و السلاسة و التنويع و النقلات العديدة مع مداخلات صديقه لظبط الايقاع بتفاهم عميق.

7- أو رقصة الـ Tapping التى قام بأدائها عازفاً إيقاع شرقى راقص بالشبشب الذى يلبسه على السيراميك , و التنويع على هذا الإيقاع بخفة و رشاقة و حساسية متقنة أدهشتنى.

8- أن أتابع غناء "محمد سعد" للأغنية الشهيرة Lady ثم رقصه كراقصة شرقية محترفة بعد ذلك ليس لأن مجرد "وسطه سايب" , و لكن لأن احساسه الايقاعى عالى جداً , "محمد سعد" ممثل موهوب.

9- أن يدهشنى "محمد سعد" بانتقاله فى الأداء بين الكوميدى و التراجيدى بسلاسة فريدة لابد أن يحسده عليها "احمد حلمى" , قرب نهاية الفيلم يتحول أداء "محمد سعد" للأداء الجاد مذكراً إياى بدوره فى (الطريق إلى إيلات) , دور الوطنى الطيب الساذج المنفعل بضمير لصالح إنقاذ بلده حتى لو مات , فى مشهد طويل متعدد اللقطات بكى "محمد سعد" حين تسبب فى فقدان شريحة تعمل بها قنبلة سيفجر بها الإرهابيون محطة المترو فى التحرير , بكى ندماً و حرقة , ثم اتصلت به فجأة "ساندى" لتخبره أن الشريحة معها و عليه فقط أن يأتى لأخذها , الآن على "محمد سعد" لحظة رفع السماعة أن ينتقل بأدائه من منطقة الجدية إلى الكوميديا التى تميز شخصيته طوال الفيلم , و يتم هذا الانتقال بمنتهى السلاسة بدون إرباك لى كمشاهد يكره أن يخدعه الممثل.

و كمثال آخر مختلف يشاهد "محمد سعد" جزء من حلقات (رأفت الهجان) , بالتحديد ذلك المشهد الذى يعطى فيه (يوسف شعبان) إلى (محمود عبد العزيز) مبلغاً مالياً , و يخبره : (مصر) هى التى تدفع لك يا رأفت مش أنا , يبكى "محمد سعد" بشدة و تأثر أثناء مشاهدته و يتسائل بنفس التعبير و الملامح إذا ما كانت مصر ستدفع له أيضاً أم ستضحك عليه.

10- أن أسجل كل هذا عن فيلم (كتكوت) بمنتهى الجدية و الملاحظة و الإهتمام هو بالتأكيد أوضح دليل على أن سيجارة الحشيش التى دخنتها أثناء المشاهدة هى من أفخر الأصناف , و أن الـ Dealer الذى أعطاها لى قائلاً أنها ماركة (اللى بالى بالك) يستحق الشكر الجزيل على ما منحه لى من متعة , كما يستحق "محمد سعد" الشكر أيضاً بنفس القدر.

Thursday, May 03, 2007

بوسطة يعنى أتوبيس

نادين لبكى و رودنى حداد فى لقطة من الفيلم

كالعادة إنها لبنان ... فرق غنائية مستقلة , تجارب طازجة بسيطة , ثم فى النهاية قدرة على تسويق كل هذا , تنتظر دور العرض فى مصر إحدى التجارب المستقلة السينمائية القادمة من لبنان , فيلم (بوسطة) إنتاج مستقل لبنانى صرف , أول فيلم روائى طويل لمخرجه "فيليب عرقتنجي" , و أول ظهور روائى لـ "نادين لبكى" .... عند هذه النقطة الأخيرة تحديداً سأتكلم بصراحة , الفيلم تم عرضه فى لبنان بالفعل و تقول لغة الأرقام التى أكرهها - لكنها مفيدة الآن - أن فيلم (بوسطة) يأتى فى المركز الرابع من حيث الأرباح على مدار تاريخ العروض السينمائية فى لبنان , و فى المركز الأول كفيلم لبنانى , شهد الفيلم حضوراً مكثفاً فى بلد نعرف جيداً عدد سكانه , و سيكون عرضه فى مصر تجربة جديدة على سوق العرض السينمائى المصرى توزعها شركة "أفلام مصر العالمية" , كل هذا جميل , ما لفت نظرى بشكل شخصى و أردت الحديث عنه بصراحة هو "نادين لبكى" , فى البداية سيكون الجفنين العلويين العريضين المُشْرَعين على عينيها مانحين بعض الغموض و التجعيدتين الناعمتين على جفنيها السفليين هما دافعى الأول لحضور الفيلم , فكرة عينيها المرهقتين قليلاً تستهوينى و تمنحانى بهجة , هذه المرة لن أراها تقفز فى مجرد إعلان عن مياه غازية , بل سأراها فى فيلم روائى طويل كامل ... بقى كمقدمة جادة غير شخصية - رغم أهمية ذلك فى الفنون - أن الفيلم بدأ عرضه فى القاهرة أمس الأربعاء , و سيعرض فى الإسكندرية يوم 16 مايو الحالى.

لى تجربة فى مشاهدة قليل من الأفلام الروائية اللبنانية كـ (طيارة من ورق) و (بيروت الغربية) و غيرهما , و دائماً تتفاوت آرائى عنها غير أنها بالتأكيد سينما حرة طليقة طازجة غير معلبة.

"فيليب عرقتنجي" مخرج الفيلم , يعتبر (بوسطة) أول أفلامه الروائية الطويلة بعد العديد العديد من الأفلام التسجيلية نالت معظمها جوائز فى مهرجانات العالم الفرانكفونى سواء فرنسا أو كندا او أفريقيا.

القصة عن سبعة أشخاص كانوا أصدقاء فى المدرسة وتفرقت بهم السبل ثم عادوا ليلتقوا بعد 15 عام , يطوفون بلبنان و قراها راقصين "الدبكة" بتوزيعات جديدة خاصة بهم , رقصات الدبكة فى الفيلم صممتها "أليسار كراكلة" و المتابعون يعرفون ما يعنيه فرقة رقص "كراكلة" فى لبنان.

لم أشاهد الفيلم كما قلت و لكنها تجربة مستقلة من بلد تعرف ما هو الفن المستقل , سأذهب لأشاهد الفيلم لسببين , قلت أولهما فى المقطع الأول , السبب الثانى أتمناه بعد الخروج من قاعة العرض مستمتعاً بالتجربة على ما أتوقع.

Wednesday, May 02, 2007

جزر محمد صلاح


لقطة من الفيلم

السينما المستقلة .. تيار سينمائى حديث نسبياً فى مصر , لم تتشكل له معالم و لكنه فى طور البناء , دعوة لحضور فيلم "جزر" للمخرج محمد صلاح , الفيلم سيعرض اليوم فى معهد جوتة بالإسكندرية فى الـ 8 مساءاً , لم أشاهد الفيلم من قبل , فقط هو إعلان غير مدفوع الأجر.

Wednesday, March 21, 2007

Fellini - Satyricon

ألوان .. ماكياج .. سحرة .. آلهة .. نيرون .. الامبراطورية الرومانية .. حلم .. غرام .. لذة .. غيرة .. و خيال .. رواية نسبها تم بالتخمين بعد قرون من الاخفاء .. ديكور يتم تجهيزه فى شهور لتصوير لقطة تستغرق لحظات.

ذلك فى فيلم Satyricon الذى أخرجه Federico Fellini عام 1969 , شاهد هذا المقطع لتعرف أجواء أحد آلهة الصورة فى السينما , فأبداً لن يمكننى معه اتباع الطريقة المعتادة فى الكيس.


Thursday, March 01, 2007

Not Another Teen Movie

أحياناً مع صداع البحث و التجريب و ارهاق الاكتشاف و لعنات التفكير , نحتاج لشئ مسلّى , مسلّى فقط لا أكثر , لا يشغلنا كثيراً , فقط نمضى معه فترة من الوقت نجدد فيها نشاطنا , لو أن هوليود نجحت فى صناعة شئ يبقى فى المخيلة السينمائية الخاصة بى كشئ أصيل خاص بها وحدها كجهة المنشأ , و جيد رغم أنه لا يدّعى الجدية , و لا يختلق أفكار , و لا يروج لشئ , و لا يعيد بيع ما تمت سرقته , فهو بالتأكيد أفلام المراهقين الامريكية (The Teen Movies).

أتابع بكثرة تلك النوعية من الأفلام الامريكية التى تتناول حياة المراهقين الأمريكيين فى المدارس الثانوية الأمريكية , تلك الأفلام الكوميدية الخفيفة المسلّية التى ابتكرتها هوليود , و يقوم ببطولتها شباب فقط ربما يمثلون لأول مرة , و التى تبدأ دائماً باستعراض المدرسة الثانوية التى ستحدث بين تلاميذها لها قصة الفيلم , و هى القصة المعادة عن الشباب الجامد و البنات الجامدة ثم الخاسرون , و ربط كل هذا بتيمة الجنس و سحره عند المراهقين , سعى الجميع لفقد عذريتهم فى حقلة التخرج - بعضهم يسعى لذلك قبل التخرج - التى يتم فيها تتويج الملك و الملكة (Prom King) و (Prom Queen) بعد استفتاء سرى يتم أثناء الحفلة بين تلاميذ المدرسة , عالم المراهقين الجميل , المتمرد رغم حماقته , المضحك بتفاهته.

هوليود تبيع حياة المراهقين باستمرار , ليس فى الأفلام الكوميدية فقط - الـ (Teen Movies) - لكنها استخدمتْه أيضاً فى الكثير من أفلام الرعب , ربما أشهرها على الاطلاق هى أفلام (A Nightmare on Elm Street) بأجزائها العديدة التى تناولت Freddy Krueger , ذلك السفاح المُعقد ذو الأظافر المعدنية التى يثير صوت احتكاكها بالحوائط الرعب فى نفوس المراهقين , معلنةً أنه قادم ليقتل فى شارع Elm , و أنه اختار مراهقة تعيسة الحظ - البطلة طبعاً - تسكن مع أهلها فى ذلك البيت الذى كان قد أُحرق فيه قبل سنوات , يزورها فى أحلامها فيحوّلها الى كوابيس حقيقة خالطاً عالم الحلم بالواقع , مع تيمة أغنية شهيرة تغنيها طفلة تنط الحبل تذكر فى أغنيتها أرقاماً لتعلن مرة أخرى أن السفاح Freddy على مقربة شديدة .... و غيرها من أفلام رعب كان المراهقين فى المدارس الثانوية هم أبطالها , يكفى أن أول فيلم يمثله Johnny Depp كان هو نفسه أول جزء من هذه السلسلة المستمرة حتى الآن , لينتقل بعدها فيصبح نجماً شهيراً.

عالم المراهقين مثير للغاية , قدمته هوليود فى تيمات عديدة منها الرعب و منها الكوميدى , ليصبح علامة مسجلة باسمها فقط , لم تنجح المحاولات الانجليزية فى تقليده , تعجبنى تلك الأفلام لما ذكرته فى بداية الكتابة , و لأسباب أخرى لا أعلمها أنا شخصياً , فكل منا له غموضه الخاص الغير مفسّر حتى له.

أكثر الأفلام التى ضحكت فيها من أفلام الـ Teens , هو فيلم اليوم , بداية من اسمه الظريف الذى عبر بخفة دم شديدة عن أحداثه , Not Another Teen Movie , حتى أحداثه التى يتهكم فيها على كل شئ حتى أفلام الـ Teens نفسها , و لا يقيم وزناً لشئ فى قسوة تناسب المراهقين جداً , هى محاولة جيدة للتطوير و التغيير فى نوع سينما تصنعه هوليود بافراط.

يبدأ الفيلم بالبطلة الجادة صاحبة العوينات العريضة المهتمة فقط بثقافتها و بنفسها كفنانة تنوى السفر لدراسة الرسم فى فرنسا , لكنها كأى مراهقة لها حياتها السرية التى لا يشغلها فيها سوى شئ مهم ... الجنس , فى ذروة نشوتها و هى تعبث بـ Dildo فى بداية الفيلم يفاجئها أبوها و أخوها و جدها و جدتها و أطفال العائلة و قس يعرفهم بكعكة عيد اليلاد أثناء مشاهدتها فيلم رومانسى تحبه , و يحدث ما يحدث.

كالعادة فى مثل تلك الأفلام يستعرض السيناريو شخصياته فى أول خمس دقائق , الشخصيات التى سنلهو معها طيلة الفيلم , الشخصيات الكراكتر.

الخاسرون

الشاب الجامد

البنت الحلوة الرقيقة - فتاة الاحلام

الفيلسوف المتذاكى

الرغبة تسير على قدمين

اللى شايفه نفسها

المهاجرة بتقاليعها

البوهيمية

الغلبان الذى لا يعرف اللحظة المناسبة للتصفيق

أجمد إفّـيه فـ الفيلم

هو أجمد إفّـيه بلا نزاع , لأنه تهكم لاذع جداً على شخصية ذلك المراهق الغامض الشهير الذى ظهر فى فيلم American Beauty , تصاحبه نفس المقطوعة الموسيقية القلقة , يحمل نفس الكاميرا المحمولة , فضلاً عن بالونته الشهيرة أيضاً.

ليس هذا هو أذكى تهكم فى الفيلم و لكنه الأكثر مفاجئةً لى على الاطلاق , هناك أيضاً ذلك التهكم على الـ Slow Motion الذى يصاحب دخول الجميلات الى الحفلات الخاصة فى كل فيلم من تلك الأفلام , فحين تدخل "البنت الحلوة الرقيقة (فتاة الاحلام)" الحفل , فهى كالعادة تقف لحظة لتتأمل جمالها فى عيون المدعوين , هنا ثبت كل المراهقين فى الحفل فى أوضاعهم بدون استخدام المخرج للـ Slow Motion , و حين سأل أحدهم صديقه : لماذاما يحدث؟ , رد عليه هامساً : شششششش , هذا هو المعتاد , لن يتحرك أى شخص مجرد حركة حتى تبدأ الجميلة فى الحركة مرة أخرى.

نفس "البنت الحلوة الرقيقة (فتاة الاحلام)" يتهكم عليها الفيلم فى مشهد مضحك جداً لها فى الحمام , و ثلاثة من صغار المراهقين يتسللون من فتحة التهوية فى حمامهم متبعين اللافتة الموضوع أسفله "من هنا الطريق الى حمام الفتيات , السعة القصوى المسموحه : ولدان" , يزحف الثلاثة للتلصص عليها من فتحة التهوية فى حمامها و هى تصدر من الأصوات ما لن تتخيله.



لكن الامر ينتهى بكارثة سقوطهم جميعاً - من فرط ثقلهم - فوقها , ثم أربعتهم و معهم الحمام مرة أخرى داخل فصل دراسى.


لست فى حاجة لذكر قصة الفيلم فقد تختلط مع فيلم آخر , كما أن هذا الفيلم فى الأغلب الأعم هو تهكمات متراكمة حول كراكترات مشهورة فى أفلام المراهقين , منهم المراهق الأسود الذى يعترض طيلة الفيلم على كاركتر "الأسود" الذى يفترض فيه الجميع أنه موجود فقط ليسب و ليلعن باستمرار , و رغم ذلك لا يكف عن استخدام نفس الألفاظ , الهوس الجنسى و الفانتازيا الجنسية لدى الفتيان و الفتيات و ربطه بكل شئ فى الحياة (كلام منطقى!!) , خاصة تلك الفتاة التى تريد ممارسة الجنس مع أخيها بدون مبرر , و غيرها من مبالغات , و العجوز التى تلتحق بالمدرسة الثانوية لتجدد شبابها أو (مراهقتها) , و غيرهما من شخصيات نمطية لم يرحمها كاتب السيناريو من قلمه المتهكم.

أفلام الـ Teens لها شعبية كبيرة فى أمريكا و خارجها , و أنا أتابعها بهوس شديد و باستمتاع حقيقى , فعلى الأقل نجحت هوليود فى صنع شئ غير مزيف بسيط و لا يدعى الجدية و أيضاً يحمل اسمها , و لا ينكر أنه مجرد فيلم مسلّى يمكنك مشاهدته و أنت تتناول طعامك لتهضمه بسهولة.

Sunday, January 28, 2007

"Love is a mighty power"

للحديث عن سينما الدوجما يجب البدء بـ Lars Von Trier , المخرج الدنماركى الشهير صاحب (Dancer in the Dark) الحائز على السعفة الذهبية من مهرجان Cannes عام 2000 و صاحب فيلمنا هذه المرة: (Breaking The Waves) الحائز على جائزة لجنة التحكيم الكبرى من نفس المهرجان عام 1996 و الذى تم ترشحيه للحصول على السعفة الذهبية نفس العام.

درس Lars Von Trier السينما فى مدرسة السينما التابعة لجامعة كوبنهاجن بالدنمارك , و صنع العديد من الأفلام الطويلة منذ فيلمه الأول (Forbrydelsens element) أو (The Element Of Crime).

شاهدت له أربعة أفلام طويلة متدرجة المستوى وهى بالترتيب الزمنى للانتاج : (Breaking the Waves) و (Idioterne) و (Dancer in the Dark) و (Dogville) , و آخر ما شاهدته له - قبل فترة وجيزة - كان تلك الـ "mini series" - أو المسلسل التليفزيوني الناجح - (Riget) الذى قدمه فى الدنمارك عام 1994 , و هو اسم مستشفى كبير مجهز للغاية بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن , أحداث المسلسل تتطور تدريجياً فى حلقات الموسم الأول , المستشفى تحدث فيه أحداث غرائبية جداً ضمن كوميديا سوداء من نوع خاص تمزج عالم الأرواح الميتة الهائمة فى المستشفى - نتيجة اهمال الاطباء - بعالم الأرواح الحية للعاملين فى المستشفى من أطباء و ممرضات و طلاب و علماء و ... مرضى , لاقى المسلسل نجاحاً كبيراً وقتها , و قدّم منه Trier موسماً ثانياً (Riget II) بعد ثلاث سنوات أى فى 1997 , فى نهاية كل حلقة من حلقات الموسمين كان Lars Von Trier يظهر بنفسه مع تترات النهاية ليعلق بصوته و أداؤه على الاحداث التى جرت فى الحلقة , داعياً كل مرة مشاهدى المسلسل الى الانتظار و الاستعداد لما سماه "اختلاط الخير بالشر" مشيراً بيديه بتلك العلامة , المسلسل مسلّى للغاية و مكتوب بحرفية عالية و بموهبة مميزة و هو الشئ الذى أحترمه كثيراً فى صناع سينما الدوجما , أنهم يكتبون أفلامهم جيداً و يعبّرون عن عوالم شديدة الخصوصية باتقان بالغ و بجهد ملموس , فرغم كل الاحداث و الشخصيات و الأفعال و ردود الأفعال التى شاهدتها فى موسمىْ Rigrt الا إنى استمتعت بكل حلقاته , خاصة تطور أحداثه الغرائبية بمنتهى السلاسة ... أقتبس Stephen King أحداث المسلسل و أعاد انتاجه فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 2004 تحت اسم (Kingdom Hospital) ... و لكن الحظ السعيد لم يتعسنى بعد برؤيته.

Next time, prepare to take the good with the evil

كان بدء تدشين تيار الدوجما فى مارس 1995 , حين سطر أربع مخرجون دنماركيون Lars von Trier و Thomas Vinterberg - و انضم لهما لاحقاً Kristian Levring و Anders Thomas Jensen - البيان التأسيسى لتيار الدوجما فى السينما و نشروه فى نفس العام , فوضعوا عشر قواعد صارمة جريئة أسموها "قواعد العفة" (Vow Of Chastity) , و التى تنص على التالى :

"1- يجب أن يتم التصوير فى الموقع الأصلى للأحداث المكتوبة فى السيناريو من ديكورات و اكسسوارات (اذا احتاج التنفيذ شيئاً خاصاً , يجب اختيار موقع التصوير الذى يحتويه).

2- لا يتم تسجيل الصوت بمعزل عن مكان الصورة (حتى الموسيقى لابد لها أن تكون من مصدر ما داخل المشهد نفسه).

3- لابد من الكاميرا المحمولة , مكان التصوير هو الذى يحدد مكان الكاميرا لا العكس.

4- لا بديل عن الأفلام الملونة , و ممنوع تماماً استخدام معدات الاضاءة (اذا كانت اضاءة المكان أضعف من قدرتها على تصوير اللقطة يجب الغائها فوراً , أو وضع مصدر اضاءة كمصباح مربوطاً فى كاميرا التصوير).

5- استخدام المرشحات و غيرها من أدوات الايهام البصرى مرفوض.

6- يجب ألا تحتوى الأفلام أية أحداث مصطنعة (مثل مشاهد القتل أو استخدام الأسلحة).

7- ممنوع اللجوء لأجواء الاغتراب أو الايهام المكانى و الزمانى (بمعنى أن تتم أحداث الفيلم هنا و الآن).

8- تصنيف الأفلام كأفلام عنف أو كوميديا أو رومانسية و ما شابه ذلك مرفوض.

9- نُسخ الأفلام يجب أن تكون على شريط 35 مللى.

10 - لا يُكتب اسم المخرج على فيلمه.

و أقسم ألا أعتبر نفسى فناناً و أن لا أدخل ذوقى الشخصى فى العمل و أن أعتبر اللحظة المصورة هى الأهم , و أن استخرج الحقيقة من الأدوار و أماكن التصوير تحت أى ظروف جمالية و بتكاليف الفيلم الجيد و بكل الوسائل المتاحة.

كوبنهاجن - الاثنين 13 مارس 1995"

فيلم (Festen) أو (The Celebration) للمخرج Thomas Vinterberg - زميل Von Trier - كان اعلاناً أول عن بداية صُناع الدوجما فى صناعة الأفلام و عرضها , هذا الفيلم الافتتاحى للدوجما عبر عنها بصرامة شديدة , الموضوع (عائلة تحتفل بعيد ميلاد الرجل الكبير فيها , يفد أعضاء العائلة تباعاً الى هذا القصر للاحتفال , تختلف الشخصيات عن بعضها فى كل شئ , تتعقد الامور حين يكتشف الابن الأصغر أن أباه أغتصب أخته قبل أعوام طويلة , فيقرر أن يواجه عائلته فى احتفالها , لكنهم يقمعوه كرهاً لصلافته فى عرض القصة المشينة التى تتعلق بأبيهم و رجلهم الكبير و الذى ينفق عليهم باستمرار) ... الى جانب الموضوعات الخاصة بهم كان هناك أيضاً التمثيل المختلف و الاضاءة المنعدمة و أماكن التصوير الطبيعية.

تلك كانت القواعد التى أقرها المخرجون الأربعة و نفذها Thomas Vinterberg فى فيلمه .... فهل نفذها Von Trier ؟ ... لا .. لم يطبق Von Trier قواعد الدوجما بصرامتها سوى فى فيلمه (Idioterne) , فى هذا الفيلم اللغة البصرية متقشفة للغاية , القطع حاد و الجماليات منعدمة و الموضوع متمرد و جو السيناريو فوضوى بلا متعة على الاطلاق عن مجموعة أصدقاء يقررون فجأة ادّعاء البله لمواجهة العالم المجنون المحيط بهم.

غير أن Von Trier فى كل أفلامه - عدا المشاهد الغنائية فى (Dancer in the Dark) - لا يتخلى أبداً عن الكاميرا المحمولة , لا يوجد تحديد لزاوية معينة تتخذها الكاميرا أثناء التصوير , لا يستخدم الكرين أو الشاريوه , الكاميرا مهتزة تتحرك بعشوائية حرة طوال الفيلم , تقترب و تبتعد و قد تزداد سرعتها فى الانتقال بين الزوايا و الشخصيات لدرجة قد لا ترى فيها شيئاً سوى الهواء و ألوان متداخلة و سرعة الكاميرا.

اختلف الأمر كثيراً فى تطبيق منهج الدوجما الصارم فى كلٍ من (Breaking the Waves) و (Dancer in the Dark) و إن احتفظ بالعناصر الرئيسية لرؤيته البصرية فى صناعة الأفلام.

من المعروف أن Lars Von Trier صنع هذا الفيلم (Breaking The Waves) ضمن ثلاثية سماها "القلب الذهبى" ضمت معه الفيلمين : (Idioterne) و (Dancer in the Dark).

Breaking The Waves

أحداث الفيلم تدور فى سبعة فصول و فصل ثامن ختامى , يبدأ Von Trier كل فصل من فصوله بلوحة فنية مصورة مكتوب عليها رقم الفصل و عنوانه مصحوبة بأغنية تعبر عن جو اللقطة و الفصل الذى يليها , أغانى متنوعة منها لـ Leonard Cohen و Elton John و غيرهما , أول تلك الفصول كان اعلاناً عن زواج Bess - قامت بدورها Emily Watson فى أول دور لها فى السينما - من Jan المهندس على أحد السفن المتخصصة فى البترول - قام بدوره Stellan Skarsgård - و هو مهندس من خارج تلك القرية الاسكتلندية الصغيرة التى تعيش بها Bess , تلك القرية المحكومة بتقاليد دينية غاية فى التزمت و التعقيد و التى يعارض القائمون على كنيستها زواجها من أغراب عن القرية , لما يجلبه الأغراب عادةً من عادات تنافيها أخلاق القرية كما انها تحمل عقل طفلة و ليست بالنضج الكافى لتحمل أعباء نفسها و زوجها و أولادها إن وجدوا.

لكن Bess تنجح فى الزواج ممن تحبه و تقيم احتفالاً هى و أختها الممرضة Dodo و أمها العجوز و القائمون على القرية و Jan و أصدقاؤه فى العمل لتكون تلك أحداث الفصل الأول من الفيلم و ما يحمله من مفارقات بين طبيعة الطرفين.

يبدأ الفصل الثانى ليستعرض حياتها مع Jan , حبها الجارف نحوه و تيمة الجنس كتفصيلة مهمة فى حياتهما معاً.

تستمر الحياة بينهما فى هدوء و متعة , تغار عليه من أصدقائه , تذهب الى كنيسة قريتها التى لا تحمل أجراساً - مزيداً من التزمت - و تدعو ربها ان يبقى لها Jan و يحافظ على قربها منه و أن يعيده مرة أخرى حين يعود الى عمله خارج القرية على تلك السفن التى يعمل بها , تجزع لسفره و تشعر بوحدتها المقبلة بدونه , هى تحبه حباً رهيباً جارفاً لا تعرف له نهاية و هى التيمة الرئيسية فى الفيلم.

هنا يبدأ الفصل الثالث معها بدون Jan , تحادثه يومياً عبر الهاتف و تدعو ربها فى الكنيسة كما تعودت , تقلد صوت ربها أو تتخيله كيف سيرد عليها و تتصور كلماته التى سيطمئنها بها , حين تتقمص صوت ربها يصير صوتها غليظاً صارماً , فهكذا عرفته من وجوه رجال الدين فى قريتها صارماً متجهماً جاداً , يقف الرب الى جانبها و يخبرها - كما رأت هى عبر صوتها المصطنع - أنه سيعيده اليها اذا ما اثبتت باستمرار انها تحبه و تريد الحفاظ عليه , و هكذا تنتزع Bess شرعية حبها من رب لا يرد عليها فتقمصت هى صوته.

غير أن Jan يصطدم باحدى بريمات البترول على ظهر السفينة و يصاب بشلل كامل كاصابة عمل تذكرنا بما حدث لـ (سلمى) فى (Dancer in the Dark) بعد ذلك عام 2000 , تبدا أحداث الفيلم المأسوية و تعقد العلاقة بين الزوجين فى واحدة من القصص الخاصة التى تستهوى Von Trier و تعبر عن سينماه الخاصة , و هى السينما التى يكتبها بمهارة و يستعين بأداء تمثيلى يجعل ما هو غريب و غير معتاد ممكن الحدوث , كاشفاً عن بعض نفوس البشر و ما تحتويه من مشاعر غامضة.

تبدأ أحداث الفصل الرابع بـ Jan مصاباً بالشلل , نائماً على احد أسرة المستشفى التابعة لقرية Bess , تذهب اليه مهرولةً منهارةً فيطلب منها البحث عن حبيب تمارس معه الجنس , ما عليها سوى أن تتخيله فقط أثناء ممارستها الجنس و كأنه هو من يمارسه معها , هو قعيد و مصاب بالشلل و لن يتحرك و يعرف أن Bess تحب الحب لكنه لن يقدم لها شيئاً بعد الحادثة , كتفسير درامى لما طلبه Jan منها , يمكن اعتباره واقعاً تحت تأثير البنج و المخدر طول فترة علاجه و أثناء إجرائه كل تلك العمليات الجراحية التى مر بها عند انتقاله سريعاً الى المستشفى , و لكن هذا الطلب الغريب لن يُفسّر كذلك من Bess بعقلها الطفل البرئ.

هنا فى الفصل الخامس تبدا فصول النهاية و المأساة التى تعيشها Bess و تمزقها بين حب Jan و طلبه الغريب منها.

تذهب فى هذا الفصل فى أولى مغامراتها للبحث عن حبيب تمارس معه الحب كى يعيش Jan و يكمل شفاؤه , فهى قد استشارت ربها فى مأزقها و أخذت رده المعتاد بصوته الغليظ الصارم "عليكِ أن تنفذى كلام Jan كى يعيش , عليكِ أن تثبت للرب أنكِ تحبيه كما كنتِ تقولين دائماً".

راودت الطبيب المعالج لـ Jan ببراءة شديدة لكنه رفض , كان هذا الطبيب هو أول ما اصطدمت به عند خروجها من غرفة زوجها , تعود له و تخبره كذباً أنها مارست الجنس مع الطبيب لكنه لا يصدقها فتبدأ الرحلة الحقيقة لطريق خلاصها فداءاً لزوجها و هى أحداث الفصل السادس , تعبث بعضو الذكرى لأحد الركاب العجائز فى الاتوبيس أثناء عودتها لكنها تخرج ما فى معدتها فور نزولها من فرط التقزز , تضع المساحيق و تذهب احدى الحانات لتجتذب أحد الرواد كى يمارس معها الجنس لأجل ... Jan.

و تعود الى المستشفى ليرى زوجها ما فعلته لأجله , هيئتها تُفزِع أختها الممرضة و الطبيب فيدفعان Jan الى توقيع موافقته على بعثها للعلاج فى احد المصحات , و هكذا تضيق الحلقة أكثر حول Bess.

الفصل السابع ... تتمادى Bess أكثر فى الحفاظ على زوجها , تعرف من العاهرات من المدينة المجاورة كيف أن البحارة يطلبون النساء على بواخرهم للمتعة بين الحين و الآخر و تذهب بالفعل لتتعرض للضرب على أيدى بحارة و عمال بواخر رعاع تعودوا على ممارسة الجنس مع العاهرات , تهرب بصعوبة و تسير بعجلتها البسيطة فى شوارع قريتها التى لا يرحمها فيها أهلها و لا الأطفال فى الشوراع و تضيق الحلقة أكثر.

تتدهور حالة Jan فى المستشفى فتقرر الذهاب مرة أخرى الى حيث تعرضت لسادية البحارة , Bess عليها التضحية بنفسها من أجل حبيبها , هى وعدته و وعدت ربها و هى تريد له الشفاء.

بالطبع تموت Bess فداءاً لـ Jan , تموت فى الغرفة المقابلة لغرفته , تبكيها الأم و الأخت و الطبيب المعالج لزوجها ...

قام Jan من رقدته أرملاً بلا زوجة , و هنا تبدأ أحداث الفصل الختامى فى الفيلم , دفن Bess فى قريتها , يتحايل Jan على هذا الاجراء و يقرر سرقة جثتها هو و وأصدقاؤه ليلقوا بها فى البحر من فوق سفينتهم أكرم لها من الدفن فى تلك القرية و دعوات اللعن و الحرق التى ستلقى عليها من قساوسة و كهان كنيستها , كما يفعلون دوماً مع أى مذنب - من وجهة نظرهم - يموت.

يلقون جثة Bess ليلاً لتضرب الاجراس السماوية لها فى الصباح و يسمعها الجميع فوق السفينة , يسمعها Jan و يبتسم , منعوا أجراس الكنيسة فى قريتها بدعوى أنها تهريج زائد لا يحتاجه الرب فضرب لها Lars Von Trier أجراس السماء فى مشهد جميل انسانى حساس يأخذنى كل مرة أراه.

فى هذا الفيلم لم يتخل Trier عن الكامير المحمولة و قطع المونتاج الحاد جداً و الموضوع البسيط الميلودرامى فى كثير من الاحيان , و طبيعة الاداء التمثيلى لأبطاله , و لا تخلى عن الشح فى استخدام الاضاءة كما ظهر جلياً فى بعض المشاهد الداخلية التى صورها فى شقة الطبيب عندما زارته Bess ليلاً , حيث تلفت الرؤية تماماً و ظهرت عيوب الصورة واضحة.

Emily Watson فى بدايتها السينمائية تلك أسرتنى بجرأتها و تعاملها التام السلس مع شخصية أنثى تحب بقلب طفلة.