كأهلاوى شاهدت مباراة الأهلى و الهلال فى البطولة الأفريقية للأندية الأبطال , و كمتابع لأفلام الصيف شاهدت أيضاً فيلم "كده رضا" فى نفس الأسبوع , و النتيجة .. صدرت منى - بتلقائية شديدة - ألفاظ فى غاية الأباحة و السفالة , فهزيمة الأهلى بهذا الشكل المهين فى أم درمان فى نفس الأسبوع الذى أتعرض فيه لهذا الكم من السخافة فى سينما (ريو) بالإسكندرية لهو شئ فوق الإحتمال ... فى النهاية إذا ما حصرت الأمر فى حدود فيلم "كده رضا" على اعتبار أن كرة القدم فى النهاية هى مكسب و خسارة على العكس من الأفلام , فلا أحد سيعوضنى الساعتين إلا ربعاً التى قضيتها أضرب كفاً بكف و أنا أشاهد "كده رضا" :
(1)- اسم الفيلم - "كده رضا" - يصلح ككثير من الأسماء لغيره من السيناريوهات بلا أدنى مخاطرة أو إحساس بالذنب , و ربما لو كان "أحمد حلمى" يقوم بدور "مغاورى" لكان اسم الفيلم "كده مغاورى" , لكنهم فى النهاية سموه "كده رضا" فقط لأن (القافية حكمت).
(2)- السيناريو هو التجربة الأولى لـ "أحمد فهمى" , و هى تجربة كان من الممكن جداً تجاهلها و عدم الإعتداد بها بحكم أنها أصبحت من نصيب "أحمد حلمى" الممثل الكوميدى الكبير و الذى لن يلتفت الجمهور لمشاكل السيناريو الذى يمثله , غير أن بعض الجمهور تساءل بصوتٍ عالٍ بعد إنتهاء الراوى من خطبته العصماء قبل نزول تترات البداية قائلاً : (هوه الفيلم كده خلص و للا ايه يا جدعان) , و لهم كامل الحق فى السؤال , فالراوى تقريباً حكى تيمة الفيلم الأساسية فى 3 أو 4 دقائق - (عشان ينجز و يبدأ على نضيف) - بشكل مطول جداً فشل معه فى محاكاة مثل هذه المقدمات فى أفلام أخرى معروفة كـ Le Fabuleux destin d'Amélie Poulain و غيره من تلك الأفلام التى تعتمد على الحكى الرشيق , لتصبح مقدمة "كده رضا" سرداً جافاً للأحداث على لسان راوى يمكن الإستغناء عنه دون ندم.
بعد المقدمة بدأ الفيلم فى ترتيب (اسكتشاته) القصيرة بتتابع على نفس التيمة , ثلاث أخوة توأم ماتت أمهم و هى تلدهم , تركتهم فى رعاية أبيهم - "هندى/لطفى لبيب" - الذى سجلهم بدوره فى سجل المواليد تحت اسم واحد هو "رضا" - قام بالأدوار الثلاثة "أحمد حلمى" - اتقاءاً للحسد و توفيراً لتكاليف تربية ثلاث أبناء فى نفس الوقت , و هكذا يلعب كاتب السيناريو على تلك التيمة فترة لا بأس بها مختلقاً المواقف التى تصل لـ 4 أو 5 اسكتشات ما بين القصيرة و الطويلة تحت دافع واحد و هو أن النصب يعتبر المصدر الأساسى لرزق هذه العائلة :
أ - فهم ينصبون فى مسابقة جرى جائزتها الأولى 10 آلاف جنيه بأن يقتسموا مسافة السباق بين ثلاثتهم .. تخيلت فى بداية هذا الاسكتش أن أحدهم سيبدأ السباق ليسجل وجوده بينما سينتظر أحد الإثنين الآخرين قرب النهاية ليجرى عدة أمتار متجاوزاً الخط و معلناً فوزه بالسباق , لكنى اكتشفت أنى قد نصبت بطريقة أفضل من طريقة السيناريست , فـ "أحمد فهمى" جعل الثلاثة يقتسمون مسافة السباق بينهم بالتساوى بحيث يعدو كل منهم جزء من السباق ليفوز الأخير بالجائزة بينما الباقى منهكون.
بـ - ينصبون أيضاً على جارهم الحلاق - "محمود أبو زيد" - فيبيعونه نظارة شمس يخبرونه أنها تكشف العورات بعد 3 ثوانى من ارتدائها .. لك أن تتخيل كم السماجة فى هذا الاسكتش.
جـ - كما ينصبون على "سعيد طرابيك" صاحب إحدى الحانات عن طريق بيع محلولاً مغشوشاً و كأنه نبيذ مستورد من اليونان , مقنعين إياه بذلك بظهور ثلاثتهم أمامه يتمايلون ليعتقد أن وجود ثلاث نسخ من نفس الشخص هو التأثير القوى للنبيذ.
و غيرها من المواقف المعتمدة على كونهم ثلاث أخوة توأم لا يعرف بأمرهم أحد و لا حتى الحكومة , يختبئون فى قبو و يخرجون من المنزل فرادى كل منهم له يومه , تدور هذه الاسكتشات بالتوازى مع عرض اختلافاتهم الشخصية عن بعضهم البعض , فأحدهم قاسى و جرئ : "البرنس" و الثانى مجنون كرة فشل فى الإلتحاق بالنادى الأهلى : "بيبو" و الثالث ضعيف مسالم : "سمسم" , و بحكم كونه أضعفهم و أكثرهم براءة , و لا يريد النصب مثلهم على خلق الله مفضلاً البقاء فى مصر على السفر معهم إلى الخارج يتردد "سمسم" على "خالد الصاوى" الطبيب نفسى ليستدل على طريقة حياة أفضل , بانتهاء الوقت المحتمل لاسكتشات "أحمد حلمى" المنفردة تظهر "منة شلبى/ندى" لتمنح كاتب السيناريو فرصة أخرى ينوع فيها على اسكتشات أخرى تعتمد أيضاً على تيمة الثلاثى التوأم التى رواها الراوى قبل نزول التترات.
هنا و حتى قرب نهاية الفيلم يسير الفيلم بثقة نحو تصنيف فيلم كوميدى صيفى من بطولة "أحمد حلمى" ... لكنه الطمع , فيتحول الفيلم بقدرة قادر إلى لغز على البطل أن يحله , يتحول إلى فيلم إثارة ذكرنى فى أكثر من تفصيلة فى نهايته بالفيلم الأمريكى Matchstick Men خصوصاً فيما يتعلق بشخصية "ندى" التى تعّلق بها "أحمد حلمى" و اجتهد فى مساعدتها و فيما يتعلق بالطبيب النفسى "خالد الصاوى" الذى يختزن أسرار "سمسم" , فضلاً عن طريقة كشف "أحمد حلمى" لخبايا الأحداث.
(3)- المخرج "أحمد نادر جلال" و منذ شاهدت إتقانه و إجادته فى فيلم "واحد من الناس" قبل عام و نصف و أنا أحرص على متابعة أفلامه , فما فعله وقتها مع سيناريو مستهلك و تيمة محفوظة لـ "بلال فضل" يستحق الإشادة , و لكنها صدفة على ما يبدو أو شئ ما آخر لا أعرفه , فمن غير المعقول ما رأيته فى فيلمه التالى "فى محطة مصر" لنفس الأبطال و كاتب السيناريو , و فى فيلمه الأخير "كده رضا" !! ... لا جديد فى الفيلمين سوى ما يحفظه الجمهور عن الفارق بين "كريم عبد العزيز" و "أحمد حلمى ", حيل الجرافيك و الكروما و غيرها من الأشياء المصنوعة بعناية لا تصنع فى النهاية مخرجاً , كما أن ايقاع الفيلم سواء فى السيناريو أو فى الصورة و المونتاج غير متقن بالمرة على العكس منه فى "واحد من الناس" , و لن يكفى "أحمد نادر جلال" كى يصبح مخرجاً كبيراً أن يظهر بنفسه داخل أفلامه فى لقطة يسرقها هنا أو هناك.
(4)- ليس من المخجل أن يقوم الممثلون ذوو الدم الخفيف و البديهة الحاضرة فى إلقاء النكات على المسرح كأى Standup Comedian محترم على مستوى العالم , كل ممثلى هوليوود المشهورين بالكوميديا فعلوا ذلك فى بدايتهم و حين انتقلوا إلى شاشة السينما اختلفت طبيعة الفكاهة التى يقدمونها مع الوقت , أما أن يظل "أحمد حلمى" يقدم النكات و الإفيهات الغير مرتبطة بأى شئ على سبيل السذاجة طيلة خمس أو ست أفلام قام ببطولتها فهو الشئ الكثير و المبالغ فيه جداً.