من السهل أن تعتبر كلامى هذه المرة مزايدة رخيصة منى على فيلمين مصريّين عرضا فى موسم عيد الأضحى الماضى, لكنى فى الحقيقة غير مهتم على الإطلاق بهذين الفيلمين, فضلاً عن أنهما نجحا فى إستنزاف صحتى لفترة معقولة جداً بعد خروجى من السينما و لا داعى لمزيد, كل ما سأذكره يتلخص فى نقطتين بسيطتين تعتمدان على مفهوم "الدقة" فى صناعة السينما لا أكثر, لأنه كثر الترويج لفكرة أن المخرجين الجدد يجيدون صنعتهم و أن هذا مهم فى صناعة كصناعة السينما أكثر من غيره, لذا لن أتعرض هنا لتوجهات أو رؤى فنية لهذين المخرجين فقد أُسْقطت تماماً, سأتعرض لمدى دقتهم فى صناعة أفلامهم ذاكراً مثالاً بسيطاً للمخرج الإيطالى الشهير Luchino Visconti من فيلمه الرائع La Caduta degli dei أو "الملاعين" الذى أخرجه عام 1969, إن العصر الذى تدور حوله أجواء الفيلم هو العلاقات داخل عائلة ارستقراطية ألمانية بين الحربين العالميتين الأولى و الثانية, فى تصوير هذا الفيلم وضع "منسق المناظر" لوحةً ما فى قصر البارون Von Essenbeck, رآها Luchino Visconti فأخبر منسق المناظر أن هذه اللوحة لم يكن ليضعها بارون ألمانى فى هذا العصر, لأنها لا تعتبر من الفن الأصيل المناسب لقصور البارونات, رد عليه "منسق المناظر" ناقلاً وجهه بين اللوحة و بين المخرج قائلاً أن اللوحة ستظهر سريعاً فى اللقطة و لن تلفت انتباه أحد فى النسخة النهائية للفيلم خاصةً أنها مُعّلقة وسط كم هائل من اللوحات يزين بها البارون حوائط قصره, أخبره Luchino Visconti بأنه يكفى جداً أنها قد لفتت انتباهه, و من الوارد جداً أن تلفت انتباه مشاهد واحد ذكى سيهتم به Luchino Visconti أكثر من غيرِه من مشاهدى فيلمه.
1- فى فيلم "خارج على القانون" للمخرج (أحمد نادر جلال) إذا ما كنت رأيت هذا الفيلم العيد الماضى, يقوم ظابط مباحث المخدرات (أحمد سعيد عبد الغنى) بمراجعة ملف القضية الخاصة بمقتل (محمود الجندى) والد (كريم عبد العزيز) فى الفيلم, تلك القضية التى قتلته فيها قوات البوليس أمام عائلته بعد حصار منزله لأنه كان يتاجر فى المخدرات, يراجع (أحمد سعيد عبد الغنى) هذا الملف الضخم فى لقطات سريعة Photo Montage, من زوايا مختلفة ليلاً و هو جالس أمام مكتبه يرتدى حزام المسدس أسفل إبطه, إذا ما دققت النظر فى تلك اللقطات القريبة للورق الملقى أمامه فوق سطح المكتب ستجد أنها أوراق سيناريو الفيلم الذى كتبه (بلال فضل), و ستجد أن الصفحات معنونة بـ "المشهد رقم (12) نهار/خارجى", إذ يبدو هنا أن مساعدين المخرج تحت التمرين و مساعد المخرج الأول و المصور و منسق الديكور لم يجدوا ملفات ليضعوها أمام (أحمد سعيد عبد الغنى) وقت تصوير هذه اللقطة بالذات فألقوا بسيناريو الفيلم نفسه على سطح المكتب إنقاذاً للموقف.
2- فى فيلم "حين ميسرة" للمخرج (خالد يوسف) عندما يقوم (أحمد بدير) بتهديد (عمرو سعد) أمام جماعته الدينية المتطرفة, ينتقل من مؤخرة الكادر حيث كان يجلس إلى جوار (عمرو سعد) على الكنبة البلدى إلى مقدمة الكادر تماماً على مقعد أمام جهاز الكمبيوتر الذى يتراسل عن طريقه مع الزعماء الكبار للجماعة, جميع من شاهد معى الفيلم فى السينما لاحظ حركة أصابع (أحمد بدير) على الـ Keyboard, جميع من معى لاحظ أن توجيهات (خالد يوسف) لـ (أحمد بدير) قبل تصوير هذه اللقطة كانت كالتالى : "حضرتك يا أستاذ أحمد هاتقوم من الكنبة دى و تمشى لغاية الكمبيوتر تقعد تعمل نفسك بتكتب على الكمبيوتر حاجة عشان تبان مهم و بتشتغل بتكنولوجيا متقدمة, هاتقعد تخبط على الـ Keyboard بصوابعك بسرعة و انت باصص للشاشة أدامك .. كمان مرة معلش يا أستاذ أحمد بعد إذنك .. و انت اييييييه!!! باصص للشاشة أدامك, عشان يبان إنك صايع كمبيوتر و راجل خطير, لأن دا دورك فى الفيلم اللى الناس المفروض عرفته خلاص فى تسلسل الدراما فى الفيلم" و قد نفذ (أحمد بدير) طلبات المخرج بحذافيرها, ليظهر فى النهاية بضرباته على أزرار الـ Keyboard كرجل خطير لا يكترث لما يكتبه, يضغط الأزرار بعشوائية واضحة جداً للقاصى و الدانى, واضحة لما يجلس فى الصالة أمام الشاشة مباشرةً, أو من يجلس فى الكراسى الخلفية, ظهر و كأنه يعجن فطيرة عالية الكثافة.