الكتابة عن فيلم "لمبة نيون" ستكون مربكة, لكنها ضرورية جداً لصناع الفيلم و لصناعة الفيلم المستقل بشكل عام, باعتباره فيلم مكتمل العناصر إلى حد بعيد, لكن كتابتى عنه ستشوبه الكثير من الأسئلة و العديد من مناطق الخلط بين ما هو شخصى و ما هو موضوعى, النية العامة فى الكتابة الآن هى تحرّى الموضوعية لأن الفيلم يستحق ذلك, بل و يفرضه على كل من سيبدى رأيه كتابةً.
الجانب الشخصى سيتدخل بسبب بمعرفتى الشخصية بصناع الفيلم, ابتداءاً بـ "شارل عقل" صاحب القصة و كاتب السيناريو, مروراً بمصممى التترات ثم انتهاءاً بالحالة النفسية المبهجة التى أجمع عليها المشاهدون, الفيلم مبهج فعلاً بألوانه و مونتاجه, العناصر فى معظمها جاءت متناسقة بأزرق جميل, و هو ما يحسب لـ "عماد ماهر" المخرج و المشارك فى الإنتاج, سأبدأ بشريط الصوت لـ "سمير نبيل" الذى رغم الهفوات الموجودة هنا أو هناك إلا أنه نجح فى تكوين شريط صوت يجرفك معه داخل الأحداث دون الشعور بالملل, حتى و إن لم نلحظ التيمة الرئيسية للقصة المكتوبة فى النص المصاحب للفيلم.
اختيار الممثلين نقطة أساسية فى الفيلم لدى, فهم مناسبون للغاية و بشكل كامل تقريباً, شخصيات الفيلم الأساسية خمسة إلى جانب "حودة" صاحب المقهى, و مكوجى عجوز "عم وجدى" لم يكترث بتوصيل التيار الكهربى أثناء مغامرة "عجمى" الأساسية التى بنى عليها الحدث الرئيسى, فـ "عجمى" و صديقيه الآخرين – لن أسميهم عصابة رغم الإغراء القوى – يجتمعون معاً على مقهاهم بترتيب جلوس ثابت, لينتهى الأمر بهم دائماً إلى الهرب من دفع الحساب لـ " حودة" صاحب المقهى بعد مغامراتهم داخل فيلم روائى قصير, طوله 25 دقيقة لن يشعر أحد بمرورها بشكل قطعى و هذا يحسب للمخرج.
القصة الأساسية تنشأ نتيجة إحتكاك عفوى يحدث بين شاب و فتاة يمران بمنزلق صعب فى علاقتهما, مع مجموعة من الشباب تحاول التقاط رزقها بشتى الوسائل, يبدأ الفيلم بإحداها قبل نزول تترات البداية, نسمعها من "عجمى" أثناء حكيه لأصدقائه قبل أن يقرروا الفرار من المقهى هرباً من دفع الحساب, فى هذا المشهد الافتتاحى نتعرف على ثلاثتهم : "مارك لطفى/مشرف" و "مصطفى أبو سريع/عجمى" و "محمد كريم/سعد", ثم نتعرف على الطرف الآخر من القصة و هو علاقة "شادى الجرف/سمير" بحبيبته "مى وليد/رانيا", الذان يمران بحالة من غياب التواصل بينهما, سببها على الأرجح هو مزاج "سمير", و هو الشخصية الأكثر تعقيداً فى الفيلم, بتفاصيله التى كتبها "شارل", ككيس التفاح الذى يحمله معه طوال الفيلم ليأكل منه و قطع غيار مصابيح النيون التى يحتفظ بها فى جيبه, و هى تفاصيل لم أستسغها فى سياق الفيلم, تظهر هذه التفاصيل داخل علاقتهما إلى جانب تعبيرات "شادى الجرف" المتجهمة, اللا منفعلة, اللا متحمسة و الغير راضية بالتأكيد, و هو ما أضاف إلىّ الاحساس بجودة اختيار الممثلين فى الفيلم.
يقترح "مشرف" حاملاً كتابه الضخم و مناديله المستعملة باستمرار, أن يستغلوا أى اثنين من الحبّيبة فى أحد الشوارع الخلفية فى عملية سطو مسلح, لأنهما سيكونا فريسةً سهلة نظراً لحالة الهيام التى من المفترض أن يعيشها كل اتنين حبّيبة, فأوقعهم الحظ مع "سمير" و "رانيا" و هكذا حدث الإحتكاك بين الخطين الدراميين الذين صنعهما "شارل" منذ بداية الفيلم.
عند هذه النقطة حدث لى ارتباك بسيط و حتى نهاية الفيلم حتى و لو لم يفقدنى متعة المشاهدة لأن "شارل عقل" نجح فى تهيئتى لمتابعة ما يحدث منذ البداية, ربما كان الارتباك لأنى توقعت تعقيداً أكثر فى الأحداث, ثقلاً أكثر, خاصة بعد الحوارات المتصلة بين "سمير" و "رانيا" بدءاً من الحديث عن الانتحار فى الكافتيريا التى التقيا فيها, ثم أثناء سيرهما معاً داخل أحد أنفاق المشاة أسفل الكورنيش, فى واحد من أجمل مشاهد الفيلم بصرياً لأكثر من سبب, أهمها مكان التصوير ثم المونتاج و الألوان, إلى جانب مشاهد الجراج الذى يجتمع فيه "عجمى" و "مشرف" و "سعد", فالديكور فيها كان مميزاً و تكوين اللقطات كان واضحاً فيها الاعتناء بالتفاصيل.
فقد تغير الأمر فى الفيلم بعد ذلك, ليطغى "مصطفى أبو سريع" فى المشاهد الذى ظهر فيها, و نجح فى انتزاع الضحكات بتلقائية و خفة دم, رغم استخدامه أسلوباً ذا حدين فى الكوميديا, التشنجات و العصبية, لكن اختيار الممثلين مرة أخرى كان موفقاً للغاية من وجهة نظرى, خاصة التكوين الجسمانى المتنوع للثلاثة أصدقاء, تحديداً "مارك لطفى" العقل المخطط لهم, رغم لقطتين رأيته مبالغاً فيها بعض الشئ حين كان يخبرهم بخطة السطو المسلح على الحبّيبة و وافقوا.
الفيلم بسيط للغاية, نجح "عماد ماهر" فى صناعته بجو متماسك بصرياً, من خلال زوايا تصوير جيدة أضاءها "إسلام كمال" بتركيز شديد, فضلاً عن مونتاج سلس, عدا من لقطة واحدة أو لقطتين كسرتا الإيقاع لدىّ أثناء استعداد الثلاثة لاعتراض "سمير" و "رانيا" فى الممر, و لقطة إنتظار "عجمى" أسفل عمارة "سمير" التى باعتقادى جاءت أطول من المعتاد فى معدل طول لقطات المشهد و الفيلم بشكل عام.
لم أفهم علاقة العنوان بالفيلم, أو بأحداث السيناريو, فهمت ذلك من النص المصاحب الذى كتبه "شارل" و من بعض جمل الحوار, و لكن ذلك لم يظهر بالعمق الكافى فى نسخة العرض النهائية, لينتهى الفيلم بمشهد مماثل فى فكرته لمشهد البداية دون أن يضيف إضافة حقيقية, و بلقطة لـ "مى وليد" تبتسم فى سريرها جاءت مفاجئة لى فى سياق شخصية "رانيا" التى كانت تتحدث طوال الفيلم باحباط من تحاول إيصال أفكارها لمن حولها لكنه تفشل باستمرار, تملك "مى وليد" وجه مميز لم ينجح فى شغل اللقطات العامة كنجاحه فى إثراء اللقطات القريبة التى أجاد "عماد ماهر" اختيارها و تكوينها مع بطليه, فـ "شادى الجرف" هو أقل الشخصيات حديثاً و تواجداً, لكنه الشخصية الأكثر تعقيداً و حضوراً, لا من خلال التفاصيل التى كتبها له "شارل عقل" و لكن من خلال أدائه الهادئ المناسب أولاً للشخصية التى يؤديها و ثانياً لطبيعة الفيلم, خصوصاً مشاهده فى سريره التى جاءت محسوبة بالشعرة, و بحركات عفوية مناسبة فى شحنتها.
عند الحديث عن الموسيقى التصويرية فى الفيلم, أعترف أنى لست من المتحمسين لهذه النوعية من الإختيارات الموسيقية فى الأفلام, لكنها جاءت متوافقة مع الجو العام, على الأقل أغنية "بتبصلى كده ليه" القصيرة بامتياز فى أحداث الفيلم, كتبتها و غنتها "مى وليد", ربما لأنى سمعتها فى المكان المناسب داخل شريط الصوت و بالصوت المناسب تماماً, أما أغنية "الخونة طلعت تجرى" التى صاحبت تترات النهاية فلم تصلنى بنفس القوة رغم أنها الأقرب بكلماتها لأحداث الفيلم.
تبقى تحية خاصة جداً لممصمى تترات البداية و النهاية, "سلمى الدرديرى" و "عماد ماهر".