كما قلنا فى مكان ما أن مشاهدة الأفلام تجربة فردية جداً , و مشاهدتى لفيلم (كتكوت) كانت تجربة فردية فريدة للغاية فـ :
1- أن ألاحظ بدقة التشابه الخرافى بين ملامح "محمد سعد" فى أداء شخصية الصعيدى (كتكوت) و ملامح عم "سيد" الأستورجى الذى قام بتلميع كل قطع أثاث غرفتى قبل أسبوعين فهذا يعتبر مدهشاً فى حد ذاته , خاصة تلك الإبتسامة الطيبة الساذجة التى تنطبع على وجهيهما و ما يلزمها من تكور الوجنتين و ارتفاع الشفة العليا على آخرها و تحليق العينين على اتساعهما , فضلاً عن الشارب الذى يتوسط وجهه كلاهما , التشابه فظيع و ممتع فى كل مستوياته , فالعم "سيد" كان كوميدياناً من نوع خاص هو الآخر حتى أنه طلب منى فيلماً رومانسياً فيه مشاعر حين رأى مجموعة الـ CDs التى أملكها , ثم أشار إلى فيلم (American Psycho) فى النهاية و انتقاه على وجه الخصوص , ملامح عم "سيد" و ابتسامته كانا ممتعين لأقصى قدر كما قلت , بكل خفة الدم التى تقفز منهما و مع كل نكتة يلقيها أو تعليق يتركه فى التفاوض المالى بعد انتهاء عمله , حين رأيت "محمد سعد" فى هذه الشخصية بكل هذا التشابه فى الملامح لم أتمالك نفسى من الضحك و أيضاً لم أحاول تمالكها.
2- أن أبدأ فى ملاحظة ما يفعله مونتير الفيلم "معتز الكاتب" و حنقى على الاستسهال الذى يمارسه طوال الفيلم مستخدماً الاسلوب المعروف بـ (اقطع اللقطة الواحدة لقطتين (1 و 3) و حط بينهم لقطة (2) بحيث يصبح ترتيت اللقطات 1 , 2 , 3) , "معتز" يفعل ذلك باستمرار حين يقطع بين حدثين يحدثان فى نفس المشهد , لكنه لا يحذف و لو جزء واحد من الثانية فى بداية اللقطة (3) بعد انتهاء اللقطة (2) لمراعاة الزمن الذى مر منذ انتهاء اللقطة (1) , هذا يضايقنى و يزعج غدة التفاصيل لدى , فهكذا أفضل أن يكون المونتاج , أن يكون متقناً , و لكن لكل مونتير أسلوبه فى النهاية.
3- أن أستمر فى صب اللعنات على عائلة "أديب" الإعلامية الإنتاجية الضخمة فى كل تصريح لأحدهم بعد وفاة العبقرى "أحمد ذكى" , و كيف أن السينما المصرية فقدت الممثل الوحيد الباقى الذى يؤدى دوره من منطقة (التقمص) و هى الطريقة المعروفة لأداء "أحمد ذكى" , ارتداء الشخصية من الخارج بحيث يشبهها تماماً و يتلبسها بالكامل و يصبح هو بالضبط الشخصية التى يمثلها , و هى بالمناسبة طريقة أداء موجودة فى كل العالم تختلف عن طريقة أداء "عادل إمام"و "Al Pacino" و "Anthony Hopkins"مثلاً , اللعنات تأتى فقط حين تتغير دفة الحديث و تتجه نحو الواجب الآن المفروض علينا جميعاُ و هو رعاية "هيثم أحمد ذكى" الرعاية الكاملة , لأنه الكنز الوحيد الباقى القادر على استكمال مسيرة والده , فقد قرأ السيناريوهات مع أبوه و رافقه فى مشواره فى السينما , و رضع من موهبته الكثير الذى سيغرقنا به فى العقود القادمة فقط إذا راعيناه رعاية الإبن الموهوب المعجزة , أشاهد "محمد سعد" و أزيد من لعناتى , "محمد سعد" موهوب جداً فى طريقة الأداء التى نتحدث عنها , كاد أن يقلد و يتقمص "أحمد ذكى" نفسه فى أدائه لشخصية الصعيدى فى فيلميه (الهروب) و (البيه البواب) , مع التشابه الشديد فى الماكياج و لزمة بحة الصوت فى نهاية الجمل حين يزداد الانفعال أو العصبية أو عدد الكلمات , ذكرنى "محمد سعد" أيضاً بـ "نجاح الموجى" فى مسرحية (المتزوجون) و ذكرنى حديث عائلة اديب عن "هيثم أحمد ذكى" بما أسمعه عن "أحمد أمين حداد".
4- أن أحنق من كل هذا الكم من الراكورات الفاشلة طوال الفيلم سواء فى الأداء أو الإضاءة , تتابع الأداء و الإنفعال فى تقطيع اللقطات على "محمد سعد" بين لقطة عامة و بعيدة و متوسطة و قريبة فى أى من مشاهد سولوهاته العديدة فى الفيلم سئ جداً و غير متقن للغاية , فضلاً عن أخطاء مدير التصوير فيما يتعلق بالإضاءة , كمشهد اليخت فى اسكندرية , تجد أحد الممثلين يلقى جملته و السماء فوقه غائمة , ثم يتم القطع على ممثل آخر فى نفس المشهد و السماء مشرقة بشمس الأصيل فى كل شبر من السماء , أسب للمخرج و المونتير و مدير التصوير على كل تلك الراكورات الخاطئة ثم أحسبن.
5- أن أصفق إعجاباً لـ "محمد سعد" لمواهبه العديدة و المتنوعة طوال الفيلم بين أدائه لموال صعيدى شديد جداً و جميل للغاية بمنتهى السلاسة و الإتقان و النقلات و التطريب المدهش.
6- أو عزفه بلسانه فقط جملة لحنية شهيرة تعزفها آلة القانون فى مقدمة موسيقية لأغنية من أغانى" أم كلثوم" بمنتهى الاتقان أيضاً و السلاسة و التنويع و النقلات العديدة مع مداخلات صديقه لظبط الايقاع بتفاهم عميق.
7- أو رقصة الـ Tapping التى قام بأدائها عازفاً إيقاع شرقى راقص بالشبشب الذى يلبسه على السيراميك , و التنويع على هذا الإيقاع بخفة و رشاقة و حساسية متقنة أدهشتنى.
8- أن أتابع غناء "محمد سعد" للأغنية الشهيرة Lady ثم رقصه كراقصة شرقية محترفة بعد ذلك ليس لأن مجرد "وسطه سايب" , و لكن لأن احساسه الايقاعى عالى جداً , "محمد سعد" ممثل موهوب.
9- أن يدهشنى "محمد سعد" بانتقاله فى الأداء بين الكوميدى و التراجيدى بسلاسة فريدة لابد أن يحسده عليها "احمد حلمى" , قرب نهاية الفيلم يتحول أداء "محمد سعد" للأداء الجاد مذكراً إياى بدوره فى (الطريق إلى إيلات) , دور الوطنى الطيب الساذج المنفعل بضمير لصالح إنقاذ بلده حتى لو مات , فى مشهد طويل متعدد اللقطات بكى "محمد سعد" حين تسبب فى فقدان شريحة تعمل بها قنبلة سيفجر بها الإرهابيون محطة المترو فى التحرير , بكى ندماً و حرقة , ثم اتصلت به فجأة "ساندى" لتخبره أن الشريحة معها و عليه فقط أن يأتى لأخذها , الآن على "محمد سعد" لحظة رفع السماعة أن ينتقل بأدائه من منطقة الجدية إلى الكوميديا التى تميز شخصيته طوال الفيلم , و يتم هذا الانتقال بمنتهى السلاسة بدون إرباك لى كمشاهد يكره أن يخدعه الممثل.
و كمثال آخر مختلف يشاهد "محمد سعد" جزء من حلقات (رأفت الهجان) , بالتحديد ذلك المشهد الذى يعطى فيه (يوسف شعبان) إلى (محمود عبد العزيز) مبلغاً مالياً , و يخبره : (مصر) هى التى تدفع لك يا رأفت مش أنا , يبكى "محمد سعد" بشدة و تأثر أثناء مشاهدته و يتسائل بنفس التعبير و الملامح إذا ما كانت مصر ستدفع له أيضاً أم ستضحك عليه.
10- أن أسجل كل هذا عن فيلم (كتكوت) بمنتهى الجدية و الملاحظة و الإهتمام هو بالتأكيد أوضح دليل على أن سيجارة الحشيش التى دخنتها أثناء المشاهدة هى من أفخر الأصناف , و أن الـ Dealer الذى أعطاها لى قائلاً أنها ماركة (اللى بالى بالك) يستحق الشكر الجزيل على ما منحه لى من متعة , كما يستحق "محمد سعد" الشكر أيضاً بنفس القدر.