أغنية فيلم "إتش دبّـور"
منذ شاهدت تصوير أغنية فيلم (إتش دبّور) قبل أسبوعين من نزول الفيلم نفسه فى قاعات السينما و أنا متحمس لمشاهدته دون قلق, ليس فقط لأنه فيلم كوميدى يقوم ببطولته ممثل كوميدى جديد, لم يكرر نفسه بعد, لكن لأن كلمات و تصوير الأغنية أوضحا لى إلى أى مدى يريد "أحمد مكى" التعبير سينمائياً عن نفسه بعيداً عن كليشيهات الأفلام الكوميدية التى مللنا منها, و التى ربما لن نتذكرها بعد سنوات قليلة سوى بكلمتين فقط : "قديم أوى", فقد قرأت أن "مكى" قرّر أن يخرج قرب نهاية الفيلم من إطار شخصية "هيثم دبّـور" ذى الشعر الكنيش التى صنعت له كل شهرته منذ ظهر بها أول مرة فى حلقات (تامر و شوقية), حيث قال فى حواره المنشور فى موقع إيلاف حين سأله "محمد عبد العزيز" عن سبب حلاقته لشعره قرب نهاية أحداث الفيلم : (التاريخ موجود لمن يريد أن يتعلم منه، فبعد نجاح مسرحية «كشكش بيه» قرر نجيب الريحاني أن يقدم شخصية جديدة, إلا أن مسرحيته الجديدة لاقت فشلاً ذريعاً فأصيب الريحاني باكتئاب شديد و كان سيعتزل التمثيل، ثم لجأ إلى فكرة مختلفة و هي أن يخلع الطربوش و الذقن في نهاية المسرحية الجديدة, حتي يربط الناس بين شكله الحقيقي وبين «كشكش بيه». و أعاد الريحاني عرض المسرحية الفاشلة فنجحت نجاحاً ساحقاً، لذا كان لازم أعمل نقلة نجيب الريحاني، لكن في 2008، فاستغليت نجاح الشخصية في أن أتخلص منها. والحمد لله لاحظت إعجاب الناس بالمشهد في السينما), إذن فـ "مكى" يعى إلى حد كبير أن الكليشيهات عمرها قصير, و أن الجمهور مهما أحبّ شيئاً فهو سرعان ما يتعود عليه و يمل منه فى النهاية باحثاً عن الجديد.
هكذا نجح "أحمد مكى" فى لفت انتباهى إليه فى أول فيلم روائى كوميدى يقوم ببطولته, بعد أن كان قد أخرج فيلم (الحاسة السابعة) من بطولة "أحمد الفيشاوى" بنكهة مختلفة عن الأفلام الكوميدية وقتها و حتى الآن, لم أخرج من (إتش دبّـور) نادماً على الإطلاق, فالكوميديا فى الفيلم ابتعدت عن الافتعال فضلاً عن كونها غير مطروقة فى الأفلام المصرية, ناهيك عن التحايل الذكى فى استخدام كلمات و مصطلحات "أبيحة" يستخدمها الكثيرون باستمرار فى حياتهم اليومية دون أن يتسبب ذلك فى مشاكل رقابية للفيلم كعامل مميز يأتى بعد كونها حيل ظريفة فى حد ذاتها و إن كان الإعلان الدعائى قد استنفذها كلها, فقدم "مكى" مع مخرج الفيلم "أحمد الجندى" حلولاً جديدة على السينما فى مصر لكثير من الألفاظ الـ "أبيحة", من ضمن هذه الحلول لجوئهما إلى كتم شريط الصوت فى أحد المشاهد التى يتشاجر فيها "دبّـور" ليسب صديقه الجديد "كالوشا/سامح حسين" بمنتهى الحرية بعد نوبة من نوبات غبائه التى اشتهر بها فى السينما و التليفزيون, أداء "مكى" التلقائى فى هذا المشهد و فى غيره من المشاهد نجح فى خلق حالة من الضحك الهستيرى بين الجمهور فى قاعة العرض التى حضرت فيها الفيلم بالإسكندرية.
عند ذكر قاعات السينما يجب القول أنى حضرت الفيلم فى حفلة 8 – موعد جديد لحفلات السينما – بسينما رويال رينيسانس فى محطة الرمل, و هى من القاعات المحترمة فى طريقة عرضها للأفلام, أبسط الأشياء أنهم لم يضيئوا نور القاعة إلا بعد انتهاء تترات النهاية, على غير العادة فى قاعات السينما الأخرى التى تكاد تطرد الناس قرب نهاية الفيلم لتسرع ببدء الحفلة التالية, و كأن تترات النهاية فى الأفلام لا يظهر بها أسماء كل من ساهم و بذل جهداً فى الفيلم حتى يراه الناس, و كأنهم غرباء, متطفلين لا حاجة إليهم طالما أن الفيلم انتهى, على طريقة "خلصت حاجتى من عند جارتى" !!
"أحمد مكى" هو صاحب فكرة الفيلم, ليكتب السيناريو كلاً من "أحمد فهمى" و "محمد المعتصم" بابتكار و سلاسة فى تطوير الكوميديا التى جاءت مختلفةً عما كتباه معاً من إفيهات و جمل حوار لـ "أحمد حلمى" فى فيلمه قبل الأخير (كده رضا), فـ (إتش دبّـور) يحكى تجربة "إتش دبّـور" الشاب الثرى المرفه ابن رجل الأعمال "دبّـور/حسن حسنى", صاحب شركة مستحضرات تجميل الذى يتعرض للسجن نتيجة تلاعب منافسته فى السوق - سيدة الأعمال "هالة فاخر" - فى التركيبة الكيميائية لمنتجه الجديد (شامبو Hairy Hair), بمساعدة "شعراوى/معتز التونى" أحد الكيميائيين العاملين فى شركات "دبّـور", ليضطر "دبّـور" الإبن إلى ترك حياة الترفيه و "الصياعة" التى كان يعيشها, بعد أن تنكر له أصدقاؤه متهربين من مساعدته و انتشاله مما حدث لحياته, فلا يجد المساعدة سوى من سائقه "السريانوسى/لطفى لبيب" الذى يستضيفه فى حارة شعبية يعيش فيها مع ابنته "أرواح/إنجى وجدان", ليبدأ "إتش دبّـور" محاولات التأقلم مع جو الحارة, بشكل يختلف عن "علاء ولى الدين" فى فيلم (ابن عز), رغم تشابهما فى التيمة الرئيسية, إلّا أن السيناريو هنا أكثر حيوية, فعلى مدار معظم مشاهد الفيلم كانت هناك الكثير من الكوميديا الساخرة المبتكرة و البعيدة عن التكرار و التنميط المتوقع فى مثل هذه النوعية من الأفلام, دراما الفيلم تنشأ بشكل أساسى على التناقض بين شخصية "دبّـور" الأليطة جداً, و بين الحياة التى يجب عليه الإنخراط فيها داخل الحارة, ففى الحارة قابل شخصياتٍ جديدةً عليه و متنوعة... الصينيان النموذجيان "بينج" و "بونج" الذان يمتلكان عربة فول فى أحد أركان الحارة يأكل عندهما الجميع صباحاً, الكهل "محمد عبد المعطى" الذى يمتلك محلاً لتأجير شرائط الفيديو, يكتب سيناريوهات مستهلكة معتقداً أن كل ما يكتبه قد تمت سرقته من الآخرين, منها أفلام هندية و أمريكية معروفة, ثم ذلك الشاب العاطل "كالوشا/سامح حسين" الذى يتعرف عليه فى أول ساعات دخوله الحارة سكراناً مرتمياً فوق عربة كارو أثناء زواج أمه فى إحدى ساحات الحارة من شاب أصغر منها و منه, و "أرواح" ابنة سائقه القديم "سريانوسى" التى كانت بداية تعارفهما ذلك الصوت المميز للـ Windows صادراً من غرفتها, ثم تتوثق علاقتهما فى نفس المشهد من خلال نطقها المميز للغة الإنجليزية.
هكذا اكتملت الشخصيات التى بنيت عليها قصة الفيلم, ليأتى السيناريو - رغم احتوائه على عدة مشاهد زائدة أخلّت بالإيقاع السلس للكوميديا فيه كمشاهد "هالة فاخر" مع "معتز التونى" - جديداً متدفقاً بفضل حيوية بقية الممثلين و تفاهمهم فى مشاهد كوميدية مميزة جداً, منها مشهد دخول "إتش دبّـور" الحمام بعد أكلة فول عند "بينج" و "بونج" و سيجارة كليوباترا سوبر من "السريانوسى", جاء أداء "أحمد مكى" فى هذا المشهد إلى جانب حجم اللقطات التى إختارها المخرج "أحمد الجندى" و المونتاج و المؤثرات الصوتية الموجودة ليصنع مشهداً مضحكاً بهستيريا, لتساعد كل هذه العناصر باستمرار فى صنع نكهة خاصة للفيلم, فنفس العناصر تكررت فى الفيلم فى أكثر من مشهد, كمشهد تناول فيه "إتش دبّـور" و صديقه "كالوشا" كل أنواع المخدارت و المكيِّفات و الكحوليات الممكنة و بكل الطرق, مدة المشهد لم تكن قصيرة و تم تصويره من زاوية واحدة فقط, لكنه جاء ذكياً و مسلّياً جداً لأنه نجح فى مداعبة التجارب الواقعية التى عايشها المشاهدين فى مثل هذه السهرات, فعبر عنها المشهد باتقان شديد و بمحاكاة تبعث الضحك بالتأكيد, كذلك المشهد الذى يضطر فيه "إتش" إلى العمل كمنادى للركاب خلف "السريانوسى" فى الميكروباص الذى يقوده, تصاعد الكوميديا و السخرية من كل شئ فى هذا المشهد جاء متقناً, بدءاً من طريقة ندائه و انتهاءاً بالركاب أنفسهم... كلها مشاهد تعتمد على زاوية ثابتة يختارها المخرج ثم ينسقها منسق الديكورات, ليتركوها بعد ذلك إلى الممثلين القائمين بالمشهد فيمرحوا فيها بطريقتهم و مخزونهم الخاص, خالقين جواً تلقائياً جديداً فى تفاصيله.
العناصر الفنية فى الفيلم لم تكن مميزة أو استثنائية, فقد جاءت بسيطة ربما لتناسب ما أراده صنّاع الفيلم (لم يقلل منها سوى بعض المشاهد المكتوبة باستسهال فى السيناريو على فترات, لتأتى خارج الجو العام للفيلم أقل من بقية المشاهد, فضلاً عن تصوير بلا خطة أو هدف معينين, فقط كتحصيل حاصل لتسجيل ما يحدث), فديكور الحارة بسيط بلا افتعال, ميزته الألوان و الخطوط العام لحركة الممثلين فى الممرات بين البيوت, كذلك ديكور شقة "السريانوسى", و ملابس الشخصيات التى جاءت مطابقة لحالة الـ Characterization التى تعمد السيناريو ترسيخها منذ البداية, سواء ملابس الطبقة الثرية التى جاء منها "دبّـور" أو ملابس الشخصيات التى احتك بها فى حارة "السريانوسى", ساعد على ذلك اختيار الممثلين فى الأدوار المناسبة لهم, شاملاً الممثلين الثانويين الآتين من سلسلة إعلانات ميلودى بنفس شخصياتهم, ليظهروا تباعاً فى السيناريو فى المكان و الزمان المناسبين, يقطع كل ذلك مشاهد "هالة فاخر" و "معتز التونى", تكرر الأمر حتى وضح لى أن كاتبا السيناريو لم يهتما كثيراً بالابتكار فى هذه المشاهد, فكانت تأتى فقط لتذكرنا بقصة الفيلم الأساسية و هى قضية "دبّـور" الكبير المحبوس بسبب شامبو Hairy Hair, لتصبح سبباً رئيسياً فى ارتباك الإيقاع على فترات.
نجحت بقية المشاهد - أو الإسكتشات المترابطة - فى إعادة الفيلم إلى جوه الساخر من كل شئ, و أى شئ يعيشه أو يشاهده الجمهور المصرى فى القنوات الفضائية أو على صفحات الجرائد أو حتى فى تعاملاتهم اليومية... فمن سيسخر - بذكاء - من التفاصيل اليومية التى يعيشها أو يمارسها غالبية الشعب المصرى سيلقى نجاحاً الآن و سنتذكره لاحقاً, لذا دأب السيناريو على السخرية و كسر الكليشيهات الثابتة المرتبطة فى الأذهان بالأشياء اليومية الموجودة فى كل مكان مستخدماً تيمات موسيقية مشهورة من مسلسلات و عروض العرائس الأجنبية, "أحمد مكى" نفسه كسر الهيئة المعتادة لشخصية "إتش دبّـور", فخلع باروكته الكنيش - دون أن يسخر من صلعته التى ظهرت لامعة تحت الباروكة !! - و سلسلته الفضية (H) قرب نهاية الفيلم, ثم أَغْرَقَ الفيلم فى تيمة الفقراء أجدع من الأثرياء, مما ذكرنى بنفس المقارنة الساذجة بين الطبقتين فى فيلم (لو كنت غنى) الذى قام "بشارة واكيم" ببطولته فى الأربعينات, هذه النهاية المحروقة و المكررة, فضلاً عن الـ "المستند الخطير" الذى يتواجد بملل فى السيناريوهات ليحل أزمة الشخصيات الطيبة ضد الشخصيات الشريرة فى كل الأفلام الكوميدية و غير الكوميدية, قللا كثيراً من استمتاعى بالفيلم, تبقت لّى فقط لحظات هستيريا الضحك المبتكرة فى كتابتها و تنفيذها لتجعلنى أنصح كل صديق أقابله بعد المشاهدة أن يشاهد الفيلم, ربما يكون فيلم (إتش دبّـور) أقرب إلى المشاهد من فيلم (الحاسة السابعة) الذى أخرجه "أحمد مكى" بسبب كاركتر "إتش دبّـور" نفسه الذى اشتهر لدى المشاهد, أو بسبب تواجد الشخصيات فى طبقة اجتماعية و اقتصادية أوسع يسخر منها الجميع, لكنه جاء أقل فنياً, ربما أجرأ, لكنه أقل, يكفيه فقط أنه قد قالها هنا صريحة واضحة لـ "أرواح" فى بداية تعارفهما : الفرق بين الـ B و الـ P... زى الفرق بين الـ S و الـ T.